ولا يتمكن من التحفظ على نفس كليهما معاً ، فعندئذ بطبيعة الحال يختار سقوطه على ابنه الأصغر مثلا من جهة شدة علاقته بابنه الأكبر حيث انه بلغ حد الرشد والكمال من جهة وارتضى سلوكه من جهة أخرى ومن البديهي ان اختياره السقوط على الأول ليس من جهة شوقه إلى هلاكه وموته وإرادته له ، بل هو يكره ذلك كراهة شديدة ومع ذلك يصدر منه هذا الفعل بالاختيار وإعمال القدرة ولو كانت الإرادة علة تامة للفعل لكان صدوره منه محالا لعدم وجود علته وهي الإرادة. ومن المعلوم استحالة تحقق المعلول بدون علته.
فالنتيجة على ضوء ما ذكرناه امران : (الأول) ان الإرادة في اية مرتبة افترضت بحيث لا يتصور فوقها مرتبة أخرى لا تكون علة تامة للفعل ولا توجب خروجه عن تحت سلطان الإنسان واختياره.
(الثاني) على فرض تسليم ان الإرادة علة تامة للفعل الا ان من الواضح جداً ان العلة غير منحصرة بها ، بل له علة أخرى أيضاً وهي إعمال القدرة والسلطنة للنفس ، ضرورة انها لو كانت منحصرة بها لكان وجوده محالا عند عدمها وقد عرفت ان الأمر ليس كذلك.
ومن هنا يظهر ان ما ذكره الفلاسفة وجماعة من الأصوليين منهم شيخنا المحقق (قده) من امتناع وجود الفعل عند عدم وجود الإرادة خاطئ جداً.
ولعل السبب المبرر لالتزامهم بذلك ـ أي يكون الإرادة علة تامة للفعل مع مخالفته للوجدان الصريح ومكابرته للعقل السليم ، واستلزامه التوالي الباطلة : منها كون بعث الرسل وإنزال الكتب لغواً ـ هو التزامهم بصورة موضوعية بقاعدة ان الشيء ما لم يجب لم يوجد ، حيث انهم قد عمموا هذه القاعدة في كافة الممكنات بشتى أنواعها وأشكالها ، ولم يفرقوا بين الأفعال