لم ترو حتى هجرت ورين بي
يقول : حتى غلبت من الإعياء ، كذلك غلبة الدّين ، وغلبة الذنوب.
وقوله عزوجل : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) (١٨).
يقول القائل : كيف جمعت (علّيون) بالنون ، وهذا من جمع الرجال ؛ فإن (١) العرب إذا جمعت جمعا لا يذهبون فيه إلى أن له بناء من واحد واثنين ، فقالوه فى المؤنث ، والمذكر بالنون ، فمن ذلك هذا ، وهو شىء فوق شىء غير معروف واحده ولا أثناه.
وسمعت بعض العرب يقول : أطعمنا مرقة مرقين (٢) يريد : اللحم إذا طبخت بمرق.
قال ، [وقال الفراء مرة أخرى : طبخت بماء] (٣) واحد. قال الشاعر :
قد رويت إلا الدّهيدهينا |
|
قليّصات وأبيكرينا (٤) |
فجمع بالنون ؛ لأنه أراد : العدد الذي لا يحدّ ، وكذلك قول الشاعر :
فأصبحت المذاهب قد أذاعت |
|
بها الإعصار بعد الوابلينا (٥) |
أراد : المطر بعد المطر غير محدود. ونرى أن قول العرب :
عشرون ، وثلاثون ؛ إذ جعل للنساء وللرجال من العدد الذي يشبه هذا النوع ، وكذلك عليّون : ارتفاع بعد ارتفاع ؛ وكأنه لا غاية له.
وقوله عزوجل : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) (٢٤)
__________________
(١) عبارة القرطبي فى المسألة نقلا عن الفراء هى : «والعرب إذا جمعت جمعا ، ولم يكن له بناء من واحده ، ولا تثنيته ، قالوا فى المذكر والمؤنث بالنون» (تفسير القرطبي ١٩ / ٢٦٣).
(٢) عبارة اللسان نقلا عن الفراء : سمعت بعض العرب يقول : أطعمنا فلان مرقة مرقين يريد : اللحم إذا طبخ ، ثم طبخ لحم آخر بذلك الماء.
(٣) ساقط فى ش.
(٤) الدهداء : صغار الإبل : جمع الدهداء بالواو والنون ، وحذف الياء من الدهيديهينا للضرورة (اللسان نقلا عن ابن سيده). وجاء فى اللسان : البكر من الإبل بمنزلة الفتى من الناس ، والبكرة بمنزلة الإنسان ، والقلوص بمنزلة الجارية ، ويجمع البكر على أبكر ، قال الجوهري : وقد صغره الراجز وجمعه بالياء والنون فقال : وأورد البيت ـ والبيت غير منسوب ـ فى اللسان ـ وروايته فى مادة (دهده) متفقة وما جاء هنا .. وجاء رواية فى مادة بكر : شربت مكان رويت (اللسان) وانظر (الخزانة ٣ / ٤٠٨).
(٥) رواه المخصص غير منسوب ، وفيه : فإن شئت جعلت الوابلين : الرجال الممدوحين ، وصفهم بالوبل سعة عطاياهم ، وإن شئت جعلته وبلا بعد وبل ، فكان جمعا لم يقصد به قصد كثرة ولا قلة (المخصص : ٩ : ١١٤).