عزوجل شمسا ولا قمرا ولا كثيرا من نعمه ، فقال : وآتاكم من كلّ ما لم تسألوه فيكون (ما) جحدا. والوجه الأوّل أعجب إلىّ ؛ لأن المعنى ـ والله أعلم ـ آتاكم من كلّ ما سألتموه لو سألتموه ، كأنك قلت : وآتاكم كل سؤلكم ، ألا ترى أنك تقول للرجل لم يسأل شيئا : والله لأعطينّك سؤلك : ما بلغته مسألتك وإن لم تسأل.
وقوله : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) [٣٥] أهل الحجاز يقولون : جنبنى (١) ، هى خفيفة. وأهل نجد يقولون : أجنبنى شرّه وجنّبنى شرّه. فلو قرأ (٢) قارئ : (وأجنبنى وبنىّ) لأصاب ولم أسمعه من قارئ.
[قوله : (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي ..) [٣٧]] وقال (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) ولم يأت منهم بشىء يقع عليه الفعل. وهو جائز : أن تقول : قد أصبنا من بنى فلان ، وقتلنا من بنى فلان وإن لم تقل : رجالا ، لأن (من) تؤدّى عن بعض القوم كقولك : قد أصبنا من الطعام وشربنا من الماء. ومثله (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ (٣) الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ).
وقوله (تَهْوِي إِلَيْهِمْ) يقول : اجعل أفئدة من الناس تريدهم ؛ كقولك : رأيت فلانا يهوى نحوك أي يريدك. وقرأ بعض القرّاء (تهوى إليهم) بنصب الواو ، بمعنى تهواهم كما قال (رَدِفَ (٤) لَكُمْ) يريد ردفكم ، وكما قالوا : نقدت لها مائة أي نقدتها.
وقوله : (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) [٤٣] رفعت الطرف بيرتد واستأنفت الأفئدة فرفعتها بهواء ؛ كما قال فى آل عمران (وَما يَعْلَمُ (٥) تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) استأنفتهم فرفعتهم بيقولون لا بيعلم.
__________________
(١) سقط فى ب
(٢) فى الكشاف أنه قرئ بها
(٣) الآية ٥٠ سورة الأعراف
(٤) الآية ٧٢ سورة النمل
(٥) الآية ٧ سورة آل عمران