ولو حملت الباء على (ما) إذا وليها الفعل تتوهّم فيها ما توهّمت فى (لا) لكان وجها ، أنشدتنى امرأة من غنىّ :
أما والله أن لو كنت حرّا |
|
وما بالحرّ أنت ولا العتيق (١) |
فأدخلت الباء فيما يلى (ما) فإن ألقيتها رفعت ولم يقو النصب لقلّة هذا. قال : وحدّثنا الفرّاء قال : وحدّثنى دعامة بن رجاء التّيمىّ ـ وكان غرّا ـ عن أبى الحويرث الحنفىّ أنه قال : (ما هذا بشرى) أي ما هذا بمشترى.
وقوله : (رَبِّ السِّجْنُ) [٣٣] السّجن : المحبس. وهو كالفعل. وكل موضع مشتقّ من فعل فهو يقوم مقام الفعل ؛ كما قالت العرب : طلعت الشمس مطلعا وغربت الشمس مغربا ، فجعلوهما خلفا من المصدر وهما اسمان ، كذلك السّجن. ولو فتحت السين لكان مصدرا بينا. وقد قرىء : (ربّ السّجن).
وقوله : (فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ) [٣٤] ولم تكن منه مسألة إنما قال : (إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ) فجعله الله دعاء لأن فيه معنى الدعاء ، فلذلك قال : (فاستجاب له) ومثله فى الكلام أن تقول لعبدك : إلّا تطع تعاقب ، فيقول : إذا أطيعك كأنك قلت له : أطع فأجابك.
وقوله : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) [٣٥] آيات البراءة قدّ القميص من دبر (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) فهذه اللام فى اليمين وفى كل ما ضارع القول. وقد ذكرناه. ألا ترى قوله : (وَظَنُّوا (٢) ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ)(وَلَقَدْ (٣) عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ) دخلت هذه اللام و (ما) مع الظنّ (والعلم) لأنهما فى معنى القول واليمين.
__________________
(١) انظر الخزانة ٢ / ١٣٣.
(٢) الآية ٤٨ سورة فصلت.
(٣) الآية ١٠٢ سورة البقرة.