ومثله قول الشاعر (١) :
إذا أنا لم أو من عليك ولم يكن |
|
لقاؤك إلّا من وراء وراء |
ترفع إذا جعلته غاية ولم تذكر بعده الذي أضفته إليه فإن نويت أن تظهره أو أظهرته قلت : لله الأمر من قبل ومن بعد : كأنك أظهرت المخفوض الذي أسندت إليه (قبل) و (بعد). وسمع الكسائىّ بعض بنى أسد يقرؤها (لله الأمر من قبل ومن بعد) يخفض (قبل) ويرفع بعد) على ما نوى وأنشدنى (هو يعنى) (٢) الكسائي :
أكابدها حتى أعرّس بعد ما |
|
يكون سحيرا أو بعيد فأهجعا |
أراد بعيد السّحر فأضمره. ولو لم يرد ضمير الإضافة لرفع فقال : بعيد. ومثله قول الشّاعر (٣) :
لعمرك ما أدرى وإنى لأوجل |
|
على أيّنا تعدو المنيّة أوّل |
رفعت (أوّل) لأنه غاية ؛ ألا ترى أنها مسندة إلى شىء هى أوّله ؛ كما تعرف أنّ (قبل) لا يكون إلّا قبل شىء ، وأنّ (بعد) كذلك. ولو أطلقتهما بالعربيّة فنوّنت وفيهما معنى الإضافة فخفضت فى الخفض ونوّنت فى النصب والرفع (٤) لكان صوابا ، قد سمع ذلك من العرب ، وجاء فى أشعارها ، فقال بعضهم :
وساغ لى الشراب وكنت قبلا |
|
أكاد أغصّ بالماء الحميم (٥) |
فنوّن وكذلك تقول : جئتك من قبل فرأيتك. وكذلك قوله :
__________________
(١) هو عتى بن مالك العقيلي وانظر اللسان (ورى).
(٢) سقط ما بين القوسين فى ا.
(٣) هو معن بن أوس المزني.
(٤) سيأتى له أن التنوين فى الرفع خاص بضرورة الشعر.
(٥) فى التصريح فى مبحث الإضافة أنه لعبد الله بن يعرب. وفى البيت رواية أخرى : «الفرات» بدل «الحميم» ومن يثبت الرواية الأخيرة يفسر الحميم بالبارد ، وإن كان المشهور فيه الحار فهو على هذا من الأضداد.