الهوان فى مثل هذا المعنى من بنى (١) إنسان قال قال (٢) لبعير له ما به بأس غير هوانه ، يقول : إنه هيّن خفيف الثمن. فإذا قالت العرب : أقبل فلان يمشى على هونه لم يقولوه إلّا بفتح الهاء ، كقوله (يَمْشُونَ (٣) عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) وهى السكينة والوقار. حدثنا محمّد قال حدثنا الفراء قال حدثنى شريك عن جابر عن عكرمة ومجاهد فى قوله (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) قالا : بالسكينة والوقار ، وقوله : (أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ) يقول : لا يدرى أيّهما يفعل : أيمسكه أم يدسّه فى التراب ، يقول : بدفنها أم يصبر عليها وعلى مكروهها وهى الموؤدة ، وهو مثل ضربه الله تبارك وتعالى :
ثم فسّر المثل فى قوله : (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ) [٦٠] ولو كان (مَثَلُ السَّوْءِ) نصبا لجاز ، فيكون فى المعنى على قولك : ضرب للذين لا يؤمنون مثل السوء ، كما كان فى قراءة أبىّ (وضرب (٤) مثلا كلمة خبيثة) وقراءة العوامّ هاهنا وفى إبراهيم بالرفع لم نسمع أحدا نصب.
وقوله : (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) [٦٢] أنّ فى موضع نصب لأنه عبارة عن الكذب. ولو قيل (٥) : (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) تجعل الكذب من صفة الألسنة واحدها كذوب وكذب ، مثل رسول ورسل. ومثله قوله (وَلا تَقُولُوا) (٦) (لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ) ، وبعضهم يخفض (الكذب) يجعله مخفوضا باللام التي فى قوله (لما) لأنه عبارة عن (ما) والنصب فيه وجه الكلام ، وبه قرأت العوامّ. ومعناه : ولا تقولوا لوصفها الكذب.
وقوله (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) يقول : منسيّون فى النار. والعرب تقول : أفرطت منهم ناسا أي
__________________
(١) كذا و (إنسان) على هذا أبو قبيلة ولم أقف عليه. وقد يكون «فى» أي فم.
(٢) كذا بتكرر (قال) وكأن (قال) الأولى فاعلها الفراء و (قال) الثانية فاعلها العربي.
(٣) الآية ٦٣ سورة الفرقان.
(٤) الآية فى قراءة الناس غير أبى : «ومثل كلمة خبيثة» فى الآية ٢٦.
(٥) جواب لو محذوف أي لجاز. وهى قراءة معاذ بن جبل وبعض أهل الشام كما فى البحر ٥ / ٥٠٦
(٦) الآية ١١٦ سورة النحل. وجاءت قراءة الكذب جمع الكذوب عن معاذ وابن أبى عبلة وبعض أهل الشام كما فى البحر ٥ / ٥٤٥