في تفسير سورة الروم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي
بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ
يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١) و (٦)﴾
ثمّ لمّا أمر سبحانه في السورة السابقة بمداراة أهل الكتاب ، وأخبر بايمان كثير منهم بالقرآن ، أبغضهم المشركون ، فلمّا قاتل أهل الروم - وكانوا أهل الكتاب - الفرس المجوس ، وغلبوا عليهم ، فرح المشركون بذلك ، فأنزل الله سورة الروم ، ولذا نظمت بعد العنكبوت فابتدأت ب ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ولمّا كان في أولها الإخبار بالغيب ، وكان معجزة باهرة ، افتتح السورة بالحروف المقطّعة من قوله : ﴿الم﴾ جلبا لتوجّه القلوب إلى استماعها ، ثمّ بشّر النبيّ صلىاللهعليهوآله والمؤمنين بقوله : ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ وانكسروا من جيش الفرس ﴿فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾ وأقربها من ملك الروم ، وهي جزيرة كانت بين دجلة والفرات ، أو أقرب أرض الروم من الحجاز ، وهي أذرعات وبصرى ﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ﴾ وانكسارهم من الفرس وغاية ضعفهم ﴿سَيَغْلِبُونَ﴾ على الفرس ويكسروهم ﴿فِي﴾ مدة ﴿بِضْعِ سِنِينَ﴾ وما بين ثلاثة وتسع أعوام ، واعلموا أنّه ليس هذه الغلبة بقدرتهم بل ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ﴾ والقضاء في كونهم غالبين أو مغلوبين ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ وفي زمان لم يكن لأحدهما الغلبة ، أو قبل بضع سنين ﴿وَمِنْ بَعْدُ﴾ وفي زمان حصل لأحدهما الغلبة على الآخر ، أو بعد بضع سنين ﴿وَيَوْمَئِذٍ﴾ وحين حصول غلبة الروم على الفرس ﴿يَفْرَحُ﴾ ويسر ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾ بحصول الغلبة لأهل الكتاب ﴿بِنَصْرِ اللهِ﴾ وبعونه إياهم.