انزل على غيره من الأنبياء كالعصا ، واليد البيضاء ، وإحياء الموتى ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهم ﴿إِنَّمَا الْآياتُ﴾ والمعجزات ﴿عِنْدَ اللهِ﴾ وبقدرته وإرادته ، لا عندي وبقدرتي وإرادتي ﴿وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ ورسول مبلّغ عنه ببيان واضح ، ولمّا لم تكن كتب الأنبياء السابقة مثبتة لنبوّتهم (١) كان اللازم على مرسلهم أن ينزل عليهم الآيات المثبتة لنبوتهم بمقدار كاف لاثباتها ، والعجب من هؤلاء الناس أنّهم مع كون القرآن من أعظم المعجزات ، يتوقّعون منك معجزة اخرى !
﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ﴾ الذي يعجز عن إتيان سورة منه جميع الخلق من الجنّ والإنس ﴿يُتْلى عَلَيْهِمْ﴾ بلغتهم في كلّ زمان ومكان ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ الكتاب العظيم الشأن ﴿لَرَحْمَةً﴾ عظيمة ونعمة جليلة ، أو معجزة واضحة ﴿وَذِكْرى﴾ وعظة ، أو دوام إرشاد ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ به ، ويصدّقون أنّه من الله و﴿قُلْ﴾ لهؤلاء : إنّ الله شهد بصدق نبوتي في كتابه و﴿كَفى بِاللهِ﴾ المطلّع على دعواي ﴿بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً﴾ على صدقي ، أو إن تكذّبوني وتؤذونني كفى بالله بيني وبينكم بما صدر منّي من دعوتكم إلى الحقّ وتكذيبكم إيّاي ﴿شَهِيداً﴾ ومطّلعا ، وكيف يخفى عليه ما صدر منّي ومنكم ، وهو ﴿يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ من الامور التي من جملتها شأني وشأنكم ؟ وما ينكر علمه إلّا من أنكر الوهيّته وربوبيّته ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ﴾ وأنكروا الوهيته وربوبيّته ﴿أُولئِكَ﴾ الكافرون ﴿هُمُ﴾ بالخصوص ﴿الْخاسِرُونَ﴾ والمتضرّرون أشدّ الخسران والضّرر ، لا أخسر منهم.
﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً
وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ *
يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ (٥٥)﴾
ومن شبهاتهم أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لمّا وعدهم بالعذاب على الكفر بقوله : ﴿أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ﴾ ولم يأتهم ، فقالوا : يا محمد ، لم لم يأتنا ما وعدتنا من العذاب ؟ فأنت كذّبت في وعدك ! فحكى سبحانه ذلك بقوله : ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ﴾ ويتوقعون منك سرعه نزوله ، ولم يعلموا أنّ حكمته تعالى اقتضت إمهالهم إلى القيامة وجعل له أجلا ﴿وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى﴾ ووقت معين بمقتضى الحكمة ﴿لَجاءَهُمُ الْعَذابُ﴾ المستأصل في الدنيا لاستحقاقهم إيّاه ﴿وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ﴾ ذلك العذاب ﴿بَغْتَةً﴾ وبلا
__________________
(١) في النسخة : مثبتا لنبوتهم وكتبهم.