ثمّ استدلّ سبحانه على صدق القرآن بقوله : ﴿وَكَذلِكَ﴾ الإنزال البديع لتلك الكتب السماوية ﴿أَنْزَلْنا إِلَيْكَ﴾ يا محمّد ﴿الْكِتابَ﴾ العظيم والقرآن الكريم الموافق لسائر الكتب في المعارف والعلوم والأحكام ﴿فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ﴾ كعبد الله بن سلّام وأضرابه ، لعلمهم بما فيه من البشارة بنزول القرآن ﴿يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ ويصدّقونه ﴿وَ﴾ بعض ﴿مِنْ هؤُلاءِ﴾ المشركين من العرب ﴿مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ﴾ أيضا لفهمهم جهات الإعجاز فيه.
وقيل : إنّ المراد من الذين آتيناهم الكتاب الأنبياء ، ومن قوله : ﴿وَمِنْ هؤُلاءِ﴾ سائر أهل الكتاب (١) .
وقيل : إنّ المراد من الأول أهل الكتاب الذين آمنوا به قبل نزوله وقبل بعثة النبيّ صلىاللهعليهوآله كقسّ بن ساعدة ، وبحيرا ، ونسطورا ، وورقة ونظائرهم ، لمّا شاهدوا البشارة بنزوله في الكتب السماوية ، ومن الثاني الموجودون فى عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله (٢)﴿وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا﴾ المنزلة ولا ينكرها ﴿إِلَّا الْكافِرُونَ﴾ المصرّون على الكفر والعناد.
﴿وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ *
بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ
الظَّالِمُونَ (٤٩)﴾
ثمّ استدلّ سبحانه على كون القرآن معجزة باهرة باميّة النبي صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿وَما كُنْتَ﴾ يا محمّد ﴿تَتْلُوا﴾ وتقرأ ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ شيئا ﴿مِنْ كِتابٍ﴾ من الكتب المنزلة وغيرها حتى تطلّع على ما فيه من المعارف والعلوم والتواريخ ﴿وَلا تَخُطُّهُ﴾ ولا تكتبه ﴿بِيَمِينِكَ﴾ المعتاد أن يكتب الخطّ بها ، وذكرها لرفع احتمال التجوّز في الاسناد ، ولو كنت قارئا كاتبا ﴿إِذاً لَارْتابَ﴾ وشكّ في صدق كتابك ﴿الْمُبْطِلُونَ﴾ والمسارعون في إفساد أمرك ، أو القائلون بما لا حقيقة له ، فانّهم كانوا يقولون : لعلّه تعلّم مطالب القرآن والتقطها من كتب الأولين ودفاتر السابقين ، مع أنّ الكلام أيضا في غاية البطلان ، لأنّه من الواضح أنّه لو اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله.
وقيل : يعني لا ارتاب المبطلون من أهل الكتاب ، وقالوا : إنّا قرأنا في الكتب أن النبي الموعود امّي لا يقرأ ولا يكتب ، وهذا المدّعي قارئ وكاتب (٣).
عن الرضا عليهالسلام - في حديث - : « ومن آياته أنه كان يتيما فقيرا راعيا أجيرا ، لم يتعلّم كتابا ، ولم
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٥ : ٧٦.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٤٧٧.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٤٨٠.