في تفسير سورة الفتح
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١)﴾
ثم لما ختمت سورة محمد صلىاللهعليهوآله المتضمنة لبيان فضيلة المؤمنين به باتباعهم دينه الحق ، وتفضله عليهم بتكفير ذنوبهم وإصلاح امور دينهم ودنياهم ، وأمرهم بنصرته ، والانفاق في ترويج دينه ، والجهاد لإعلاء كلمته ودفع أعدائه ، والبشارة بغلبتهم على الكفار ، نظمت سورة الفتح المبدوءة ببشارة رسوله صلىاللهعليهوآله بفتح مكة أو الحديبية ، ونصرته على أعدائه ، الموقوف على ثبات المؤمنين في نصره ، والانفاق في الجهاد معه ، وبغفران ذنوبه ، وسائر تفضلاته عليه صلىاللهعليهوآله وعلى المؤمنين به ، فافتتحها عزوجل بذكر أسمائه الحسنى على دأبه تعالى تيمنا وتعليما للعباد و المؤمنين بقوله تعالى : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثم ابتدئها بالبشارة بقوله : ﴿إِنَّا فَتَحْنا لَكَ﴾ يا محمد ، مكة وغلبناك على أهلها ، وظفرناك بها عنوة ﴿فَتْحاً﴾ وظفرا ﴿مُبِيناً﴾ ظاهرا ، مكشوف الحال لكل أحد ، إنه بقدرتنا وتأييدنا.
عن أنس بشر به رسول الله صلىاللهعليهوآله عند انصرافه من الحديبية ، وإنما أتى سبحانه بصيغة الماضي إيذانا تحقق وقوعه (١) .
روي أنه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لقد نزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا وما فيها » (٢) .
وفي روآية اخرى : « لقد نزلت علي سورة ما يسرني بها حمر النعم » (٣) .
وفي ثالثة أنه صلىاللهعليهوآله قال لأصحابه : « انزلت علي سورة أحب إلي مما طلعت عليه الشمس » (٤) ثم قرأ السورة عليهم ، وهنأهم وهنأوه ، وفي الآية والروآيات دلالة واضحة على عظمة شأن هذا الفتح الذي
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٨ : ١٠٣ ، تفسير روح البيان ٩ : ٢.
(٢) مجمع البيان ٩ : ١٦٥ ، وفيه : الدنيا كلها ، تفسير الصافي ٥ : ٣٣.
(٣) تفسير القرطبي ١٦ : ٢٦٠ ، تفسير روح البيان ٩ : ٦ و٧.
(٤) تفسير روح البيان ٩ : ٦.