ثمّ لمّا ذكر سبحانه حال المؤمن والكافر أردفها بذكر حال المنافق بقوله : ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ﴾ يحضر مجلسك و﴿يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ يا محمد ، ويصغي [ إلى ] كلامك ، ولا يتأمل فيه تهاونا به ﴿حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا﴾ استهزاء وسخرية ﴿لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ من الصحابة الخلّصين كسلمان وأبي ذرّ وابن مسعود : ﴿ما ذا قالَ﴾ محمد ﴿آنِفاً﴾ وقبلا أو الساعة.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، قال : « إنّا كنّا عند رسول الله ، فيخبرنا بالوحي فأعيه [ أنا ] ومن يعيه ، فإذا خرجنا قالوا : ماذا قال آنفا » (١) .
﴿أُولئِكَ﴾ المستهزئون بالنبي صلىاللهعليهوآله وبكلامه ، هم ﴿الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ﴾ وختم ﴿عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ لا يتوجّهون إلى الحقّ ، ولا يميلون إلى خير أصلا ﴿وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ﴾ الفاسدة ونفوسهم الأمّارة الخبيثة ، ولذا فعلوا ما فعلوا من الإهانة والاستهزاء.
عن الباقر عليهالسلام : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يدعو أصحابه ، فمن أراد الله به خيرا سمع وعرف ما يدعوه إليه ، ومن أراد الله به شرا طبع على قلبه ، ولا يسمع ولا يعقل ، وهو قوله تعالى : ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ﴾(٢) .
﴿وَالَّذِينَ﴾ آمنوا بالرسول عن صميم القلب و﴿اهْتَدَوْا﴾ ببركته إلى دين الحقّ ﴿زادَهُمْ﴾ الله باستماع كلمات الرسول ومواعظه ، أو باستهزاء المنافقين ﴿هُدىً﴾ ورشادا حيث إنّهم فهموا المطالب العالية التي ألقاها إليهم الرسول ، أو استقبحوا استهزاء المنافقين ، فصار سببا لكمال توجّههم إلى كلام الرسول ومواعظه ﴿وَآتاهُمْ﴾ الله ﴿تَقْواهُمْ﴾ وتوفيق العمل بما علموا من وظائف دينهم ، أو المراد آتاهم ثواب تقواهم ، أو جنّبهم من القول في القرآن بغير حجّة وبرهان والتفسير بالرأي ، أو ألقى الخشية من القيامة في قلوبهم.
﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا
جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨)﴾
ثمّ هدّد سبحانه الكفّار والمنافقين بقوله : ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ﴾ وما ينتظرون ﴿إِلَّا السَّاعَةَ﴾ والقيامة ﴿أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾ ومفاجأة ، أو المعنى فانّهم لا يتّعظون بأخبار الامم السابقة المهلكة ، ولا بالإخبار بإتيان الساعة والقيامة ، بل ينتظرون في تذكّرهم واتّعاضهم إتيانها ، وليس ببعيد ﴿فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها﴾ وظهرت أماراتها ﴿فَأَنَّى لَهُمْ﴾ وكيف تنفعهم ﴿إِذا جاءَتْهُمْ﴾ الساعة ﴿ذِكْراهُمْ﴾ واتّعاظهم لاستحالة
__________________
(١) مجمع البيان ٩ : ١٥٤ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٤.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٣٠٣ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٤.