كترك الشيء المنسيّ الذي لا يبالي به ﴿كَما نَسِيتُمْ﴾ وما راعيتم ﴿لِقاءَ﴾ عذاب الله في ﴿يَوْمِكُمْ هذا﴾ ولم تلتفتوا إليه ، ولم تبالوا به ، بأن تركتم ما يدفع به من الايمان والأعمال الصالحة ﴿وَمَأْواكُمُ﴾ ومنزلكم ، أو مرجعكم ﴿النَّارُ﴾ لأنّها مأوى من نسيناه ﴿وَما لَكُمْ﴾ اليوم أبدا أحد ﴿مِنْ ناصِرِينَ﴾ ينصركم ، ويدفع عذاب النار عنكم ، ويخلّصكم عنه.
﴿ذلِكُمْ﴾ الترك في العذاب ، وتمكّنكم في النار معلّل ﴿بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ﴾ وبراهين توحيده وما ينزل من كتابه الناطق بالحقّ ﴿هُزُواً﴾ وجعلتموها ممّا يسخر به ﴿وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا﴾ وخدعتكم شهواتها ، فشغلتم بها ، وانهمكتم فيها ، وغفلتم عن الله والدار الآخرة ، حتى أنّكم أنكرتم الله ودار الجزاء ، وحسبتم أن لا حياة بعد الموت ، ولا حساب ولا جزاء.
﴿فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ * فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ
وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٥) و (٣٧)﴾
ثمّ أعرض سبحانه عن مخاطبتهم إيذانا بغاية مهانتهم ، وخروجهم عن أهلية الخطاب ، ووجّه خطابه إلى العقلاء بقوله : ﴿فَالْيَوْمَ﴾ وفي هذا العالم ﴿لا يُخْرَجُونَ﴾ من النار ولا يخلّصون ﴿مِنْها﴾ أبدا ﴿وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ ويطالبون بأن يرضوا عنهم ربّهم بالتوبة والإنابة والطاعة ، لفوات وقته وأوانه ، ثمّ لما كان المطالب العالية والوعد والوعيد المفصّلة في هذه السورة من ألطاف الله بعباده ونعمه الروحانية عليهم ، ومن شؤون ربوبيته لهم ، ختم سبحانه السورة بحمد ذاته المقدّسة على نعمه بقوله : ﴿فَلِلَّهِ﴾ وحده ﴿الْحَمْدُ﴾ بأنواعه وأصنافه لأنّه ﴿رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ كلّها من عالم الجبروت ، وعالم الملكوت ، وعالم الملك.
ثمّ أثنى سبحانه على نفسه بقوله تعالى : ﴿وَلَهُ الْكِبْرِياءُ﴾ والعظمة والسّلطنة المطلقة ﴿فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ وجميع عوالم الوجود ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الذي لا عزّة لغيره إلّا به ، والقادر الذي لا قدرة لغيره إلّا بإعطائه و﴿الْحَكِيمُ﴾ الذي لا يصدر منه إلّا ما فيه أكمل الصلاح وأتمّ الحكمة ، فلإختصاص الحمد به أحمدوه على نعمه ، ولاختصاص العظمة والكبرياء به كبروه ، ولاختصاص العزّة والحكمة به وحدّوه واعبدوه.
في الحديث : « أنّ لله ثلاثة أثواب : أتّزر بالعزّة ، وأرتدى بالكبرياء ، وتسربل بالرحمة ، فمن تعزّز