في تفسير سورة الدخان
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿حم * وَالْكِتابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (١) و (٣)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الزخرف المبدوءة بتعظيم القرآن ، وبإظهار المنّة على العرب بإنزاله بلسانهم ، المختتمة بذكر أدلّة التوحيد وتهديد منكريه ، وحكاية شكاية الرسول صلىاللهعليهوآله من عدم إيمان قومه ، وأمره تعالى إياه بمتاركتهم المتوسطة بذكر دعوة موسى إلى التوحيد ، ومعارضة فرعون ملأه معه ، نظمت سورة الدخان المبدوءة بتعظيم القرآن ، وإنزاله في أشرف الأوقات ، وبيان أدلّة التوحيد ، وتهديد منكريه ، وتسلية الرسول صلىاللهعليهوآله بحكاية معارضة فرعون وقومه موسى عليهالسلام ، وشكاية موسى من عدم إيمان قومه ، وسؤاله منهم المتاركة ، إلى غير ذلك من المطالب المناسبة لما في السورة السابقة ، فابتدأها بذكر أسمائه المباركة بقوله تبارك وتعالى : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ ثمّ افتتحها بذكر كلمة ﴿حم﴾ المركّبة من حرفين ، وقد مرّ أنّ كلّ حرف منها رمز من اسم من الأسماء الحسنى ، وقلنا إنّها اسم للسورة عند بعض ، واسم للقرآن عند آخر ، وقيل : إنّ المعنى على هذا القول بحقّ حم (١) .
﴿وَالْكِتابِ الْمُبِينِ﴾ والقرآن الواضح المعنى للعرب ، لكونه بلسانهم. وقيل : إن حم خبر لمبتدأ محذوف (٢) ، والمعنى هذه السورة حم ، ثمّ أقسم بالقرآن بقوله : ﴿وَالْكِتابِ الْمُبِينِ﴾.
﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ﴾ بلطفنا على الخلق ﴿فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ﴾ وهي ليلة القدر. عن قتادة ، قال : نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان ، والتوراة لستّ ليال منه ، والزّبور لاثنتي عشرة مضت منه ، والإنجيل لثمان عشرة مضت منه ، والقرآن لأربع وعشرين مضت من رمضان ، وهي ليلة القدر (٣).
وعن الصادق عليهالسلام قال : « أي أنزلنا القرآن ، والليلة المباركة هي ليلة القدر » (٤) .
وعن الكاظم عليهالسلام مثله ، وزاد : « أنزل الله سبحانه القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة ، ثمّ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٨ : ٤٠٠.
(٢) مجمع البيان ٩ : ٩٢.
(٣) تفسير الرازي ٢٧ : ٢٣٨.
(٤) مجمع البيان ٩ : ٩٢ ، تفسير الصافي ٤ : ٤٠٣.