في رجلان : محب يفرطني بما ليس في ، ومبغض شنأني على أن يبهتني » .
وكذا ابن المغازلي في كتاب ( المناقب ) ، ومحمد بن عبد الواحد في ( جواهر الكلام ) ، وابن عبد ربه في ( العقد ) ذكروا ما في معناه (١) . وقريب من هذا المضمون روآيات عديدة بطرق أصحابنا.
﴿وَقالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠)﴾
واحتمل الفخر الرازي أن الكفار لما سمعوا أن النصارى يعبدون عيسى ، قالوا : إذا عبدوا عيسى فآلهتنا خير من عيسى ، وإنما قالوا ذلك لأنهم كانوا يعبدون الملائكة (٢) . فحكى سبحانه قولهم بقوله : ﴿وَقالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ﴾ من عيسى ﴿أَمْ هُوَ﴾ خير من آلهتنا ؟ وما قالوا ذلك المثل و﴿ما ضَرَبُوهُ لَكَ﴾ يا محمد لغرض من الأغراض ﴿إِلَّا جَدَلاً﴾ ولأجل الخصام والغلبة عليك ، لا لطلب الحق حتى يذعنوا له عند ظهوره ببيانك ﴿بَلْ هُمْ﴾ وما اولئك المجادلون إلا ﴿قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ ومصرون على الجدال ، ومبالغون في الخصومة.
ثم بين سبحانه منزلة عيسى ردا على من قال بألوهيته بقوله : ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ﴾ من عبادنا مربوب بتربيتنا ﴿أَنْعَمْنا عَلَيْهِ﴾ بنعمة النبوة ، وتفضلنا عليه بفضيلة الرسالة ، لا هو ابننا ولا شريكنا في الالوهية واستحقاق العبادة ﴿وَجَعَلْناهُ مَثَلاً﴾ وعبرة عجيبة حقيقة بكونها كالمثل السائر ﴿لِبَنِي إِسْرائِيلَ﴾ يعتبرون به ، إنا خلقناه من غير أب ، كما خلقنا آدم ، وآتيناه معجزات كثيرة.
ثم لما ذكر سبحانه كون عيسى عبرة وآية من حيث تولده من غير أب ، بين كمال قدرته في أمر الو لا دة بقوله : ﴿وَلَوْ نَشاءُ﴾ والله ﴿لَجَعَلْنا﴾ ولخلقنا بطريق الو لا دة ﴿مِنْكُمْ﴾ مع أنكم رجال من الإنس ليس من شأنكم الو لا دة ﴿مَلائِكَةً﴾ مستقرين ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ أمثال أولادكم ﴿يَخْلُفُونَ﴾ كم ، ويقومون مقامكم في مباشرة أعمالكم التي تباشرونها ، كما خلقناهم بطريق الابداع ، وأسكناهم في السماوات يسبحون ويقدسون ، ومن الواضح أن توليد الملائكة من رجال الانس أبدع من توليد عيسى من الانثى الإنسية من غير أب ، وفيه تنبيه على أنهم غير أهلين للعبادة ، لأنهم مخلوقون مربوبون.
في ( الكافي ) عن أبي بصير ، قال : بينا رسول الله صلىاللهعليهوآله ذات يوم جالس ، إذ أقبل أمير المؤمنين عليهالسلام ،
__________________
(١) إحقاق الحق ٣ : ٤٠٣.
(٢) تفسير الرازي ٢٧ : ٢٢٠.