إعطاء ما تمنّيناه من حظّ قارون ﴿لَخَسَفَ بِنا﴾ أيضا في الأرض ، كما خسف بقارون ، لتوليد الغنى فيما مثل ما ولّده فيه من الكبر والتجبّر والبغي والفساد ونحوها من المهلكات ﴿وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ﴾ ولا ينجو من العذاب ﴿الْكافِرُونَ﴾ لنعم الله المكذّبون لرسله.
أقول : في الآيات دلالة واضحة على ذمّ الغنى وحبّ الدنيا وتمنّي حطامها إلّا للتوصّل إلى مرضاة الله ودرجات الآخرة.
عن كبشة الأنماري : أنّه سمع رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « ثلاث اقسم عليهنّ ، واحدّثكم بحديث فاحفظوه ، فأمّا التي اقسم عليهن ، فانّه ما نقص مال عبد من صدقة ، ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلّا زاده الله عزّا ، ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر ، وامّا الذي احدثكم فاحفظوه ، إنّما الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله علما ومالا فهو يتّقي فيه ربّه ، ويصل فيه رحمه ، ويعمل لله فيه بحقّه ، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علما ، ولم يرزقه مالا ، فهو صادق النيّة يقول : لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان ، فهو بنيّته ، وأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالا ، ولم يرزقه علما ، فهو لا يتقّي فيه ربّه ، ولا يصل فيه رحمه ، ولا يعمل لله فيه بحقّه. وعبد لم يرزقه الله علما ولا مالا ، فهو يقول : لو أنّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان ، فهو بنيّته ، ووزرهما سواء » (١).
القمي : أنّه سأل بعض اليهود أمير المؤمنين عليهالسلام عن سجن طاف أقطار الأرض بصاحبه ، فقال : « يا يهودي ، أمّا السجن الذي طاف أقطار الأرض بصاحبه ، فانّه الحوت الذي حبس يونس في بطنه ، فدخل في بحر القلزم ، ثمّ خرج إلى بحر مصر ، ثمّ دخل بحر طبرستان ، ثمّ خرج في دجلة العوراء (٢) ثمّ مرّ به تحت الأرض حتى لحق بقارون ... إلى أن قال : وكان يونس يسبّح الله ويستغفره ، فسمع قارون صوته. فقال للملك الموكّل به : انظرني فانّي أسمع كلاما ، فأوحي إلى الملك : انظره فأنظره ، فقال قارون : من أنت ؟ قال يونس : أنا المذنب الخاطئ يونس بن متّى. قال : فما فعل شديد الغضب لله موسى بن عمران ؟ قال : هيهات هلك. قال : فما فعل الرؤوف الرحيم على قومه هارون بن عمران ؟ قال : هلك. قال : فما فعلت كلثم بنت عمران التي كانت سمّيت لي ؟ قال : هيهات ما بقي من آل عمران أحد. فقال قارون : وا أسفا على آل عمران ! فشكر الله تعالى له ذلك ، فأمر الملك الموكّل به أن يرفع العذاب عنه ايّام الدنيا » (٣).
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٤٣٧.
(٢) في النسخة : العور ، وفي تفسير القمي : الغوراء ، وفي تفسير الصافي : الغور ، وما أثبتناه من معجم البلدان ، ودجلة العوراء : اسم لدجلة البصرة علم لها. معجم البلدان ٢ : ٥٠٣.
(٣) تفسير القمي ١ : ٣١٨ ، تفسير الصافي ٤ : ١٠٥.