الذهبان ومعادن الأقيان ومغارس الجنان ، وأن يحشر معهم طيور السماء وو حوش الأرضين لفعل ، ولو فعل لسقط البلاء وبطل الجزاء » .
إلى أن قال : « ولكن الله سبحانه جعل رسله أولي قوة في عزائمهم ، وضعفه فيما ترى الأعين من حالاتهم ، مع قناعة تملأ القلوب والعيون غنى ، وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذى ، ولو كانت الأنبياأ أهل قوة لا ترام ، وعزة لا تضام ، وملك تمد نحوه أعناق الرجال وتشد إليه عقد الرحال ، لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار ، وأبعد لهم عن الاستكبار ، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم ، أو رغبة مائلة بهم ، وكانت السيئات مشتركة ، والحسنات مقتسمة ، ولكن الله سبحانه أراد أن يكون الاتباع لرسله ، والتصديق بكتبه ، والخشوع لوجهه ، والاستكانة لأمره ، والاستسلام لطاعته امورا له خاصة ، لا يشوبها من غيرها شائبة ، وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم ، كانت المثوبة والجزاء أجزل » (١) .
﴿فَلَمَّا آسَفُونا﴾ وشددوا عليهم سخطنا بالافراط في الطغيان والعناد للحق ﴿انْتَقَمْنا مِنْهُمْ﴾ وعجلنا في إنزال العذاب عليهم ﴿فَأَغْرَقْناهُمْ﴾ في البحر المطاع والمطيعين ﴿أَجْمَعِينَ﴾ بحيث لم نترك منهم أحدا.
قيل : لما افتخر فرعون بجريان الماء من تحته ، غرقه الله في الماء (٢) .
عن الصادق عليهالسلام ، قال في هذه الآية : « إن الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا ، ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون ، وهم مخلوقون ومربوبون ، فجعل رضاهم رضا نفسه ، وسخطهم سخط نفسه ، وذلك لأنه جعلهم الدعاة إليه ، والأدلاء عليه ، فلذلك صاروا كذلك » .
إلى أن قال : « ولو كان يصل إلى الملكوت الأسف والضجر ، وهو الذي أحدثهما وأنشأهما ، لجاز لقائل أن يقول : إن الملكوت يبيد يوما ، لأنه إذا دخله الضجر والأسف ، دخله التغير ، وإذا دخله التغير ، لم يؤمن عليه الإبادة » (٣) الخبر.
وقيل : إن الأسف والغضب من الله إرادة العذاب الذي هو أثر الغضب ، والانتقام هو التعذيب لجرم سابق (٤) .
ثم بين سبحانه أن فائدة إهلاكهم صيرورتهم عبرة لمن بعدهم بقوله : ﴿فَجَعَلْناهُمْ﴾ وصيرناهم ﴿سَلَفاً﴾ وقدوة لمن بعدهم من الكفار الذين يسلكون مسلكهم في استيجاب ما حل به من العذاب ،
__________________
(١) نهج البلاغة : ٢٩١ الخطبة ١٩٢ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٩٥.
(٢) تفسير روح البيان ٨ : ٣٨١.
(٣) الكافي ١ : ١١٢ / ٦ ، التوحيد : ١٦٨ / ٢ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٩٦.
(٤) تفسير الرازي ٢٧ : ٢١٩.