تعديد موجبات فضله ومبادئ خيريته : يا قوم ، أثبت عندكم ما قلت ؟ بل أنا خير منه (١) . ﴿وَ﴾ الحال أنه ﴿لا يَكادُ يُبِينُ﴾ ويوضح كلامه ، لرتة في لسانه ، فكيف يليق للرسالة ؟ وقيل : إنه قال ذلك بلحاظ اطلاعه على حاله السابق ، وما كان يعلم زوال رتته منه بدعائه. وقيل : إن المراد لا يكاد يبين حجته على رسالته ، لا أنه لا يقدر على الكلام (٢) .
﴿فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ
قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ
أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (٥٣) و (٥٦)﴾
ثم قيل : إن عادة القبط كانت جارية بأن من جعلوه رئيسا مطاعا سوروه بسوار من ذهب ، وطوقوه بطوق من ذهب (٣) ، فلذا قال فرعون توبيخا لموسى : ﴿فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ﴾ من قبل ربه ﴿أَسْوِرَةٌ﴾ وأقلبه ﴿مِنْ ذَهَبٍ﴾ التي هي مقاليد الملك ، إن كان صادقا في دعوى الرسالة ؟ ﴿أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ﴾ حال كونهم ﴿مُقْتَرِنِينَ﴾ لموسى ومنضمين إليه ، أو منقادين له ؟ كي يعينونه على أمره ، ويصدقونه في دعوى رسالته.
﴿فَاسْتَخَفَ﴾ فرعون بما ذكر من التلبيسات ﴿قَوْمَهُ﴾ وأراد بالتمويهات خفة عقولهم ، وحملهم على الجهل ، كي يطيعوه فيما أراد منهم مما يأباه أرباب العقول السليمة. وقيل : طلب منهم خفة الأبدان ، وهي كناية عن إسراعهم في طاعته ، أو المراد وجد أحلامهم خفيفة ، يغترون بالتسويلات والتمويهات الباطلة (٤) ، أو وجدهم خفافا في أبدانهم وعزائمهم (٥) . ﴿فَأَطاعُوهُ﴾ فيما أمرهم به من معارضة موسى ، والأعراض عنه ، لفرط ضلالهم.
﴿إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ﴾ وخارجين عن حدود العقل وعبودية الله ، فلذلك استعظموا فرعون بماله وملكه ، وسارعوا إلى طاعته ، واستحقروا موسى لفقر وضعفه ، فخالفوه أمنا من ضرره.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « ولقد دخل موسى ومعه أخاه هارون على فرعون ، وعليهما مدارع الصوف ، وبأيديهما عصا ، فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه ودوام عزه ، فقال : ألا تعجبون من هذين ، يشترطان لي دوام العز ، وبقاء الملك ، وهما بما ترون من حال الفقر والذل ، فهلا القي عليهما أساور من ذهب ؟ ! إعظاما للذهب وجمعه ، واحتقارا للصوف وللبسه. ولو أراد الله لأنبيائه حيث بعثهم كنوز
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٨ : ٥٠ ، تفسير روح البيان ٨ : ٣٧٨.
(٢) تفسير الرازي ٢٧ : ٢١٩.
(٣) تفسير الرازي ٢٧ : ٢١٩.
(٤) تفسير روح البيان ٨ : ٣٧٩.
(٥) تفسير روح البيان ٨ : ٣٨٠.