فحاصل الآيات أنّ كثرة المال والنّعم الدنيوية تعمي الإنسان عن مطالعة آيات الله وكتابه ، وذلك العمى يجعل الانسان قرينا للشيطان ، وهو يضلّه عن الهدى ، فيشتركان في العذاب ، كما كانا مشتركين في الكفر والعصيان.
عن الباقر عليهالسلام - في تأويله - « نزلت هاتان الآيتان هكذا : ﴿حَتَّى إِذا جاءَنا﴾ يعني فلانا وفلانا ، يقول أحدهما لصاحبه حين يراه : ﴿يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾ فقال الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوآله : قل لفلان وفلان وأتباعهما ﴿لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ﴾ آل محمد » (١) .
﴿أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ
بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ
مُقْتَدِرُونَ (٤٠) و (٤٢)﴾
ثمّ لمّا وصف الله سبحانه المصرّين على الكفر والشرك بالعمى والعشيّ والتعامي ، بالغ في ذمّهم بأن وصفهم بالعمى والصّمم ، فلا يمكن هدايتهم إلى الطريق الحقّ بالدعوة والبيان بقوله : ﴿أَ فَأَنْتَ﴾ يا محمد ﴿تُسْمِعُ الصُّمَ﴾ وفاقدي قوّة السّمع دعوتك وآيات كتابك ﴿أَوْ تَهْدِي﴾ وتدلّ ﴿الْعُمْيَ﴾ وفاقدي قوّة البصر إلى الطريق الحقّ ودين الاسلام ﴿وَ﴾ تدلّ ﴿مَنْ كانَ﴾ غائرا ﴿فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ وانحراف واضح لجميع العقلاء عن الحقّ وسبيل الخير ؟ لا والله لا تقدر على إسماعهم وهدايتهم مع كمال نبوتك ، وشماخة مقامك ، فلا تتعب نفسك الشريفة في دعوتهم إلى الايمان ، وفيه إشعار بأنّ الوصفين لتمكّنهم في الضلال المفرط.
روي أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يتعب نفسه في دعاء قومه ، وهم لا يزيدون إلّا غيا وتعاميا ممّا يشاهدونه من المعجزات ، وتصامما عما يسمعونه من الآيات ، فنزلت (٢) .
ثمّ سلّى سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ﴾ من الدنيا إلى جوار رحمتنا قبل أن نريك عذابهم ، ونشفي غليل صدرك وصدر المؤمنين باهلاكهم ﴿فَإِنَّا﴾ لا محالة ﴿مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ﴾ في الدنيا والآخرة بعد ذهابك من الدنيا.
روى العلامة في ( نهج الحق ) عن ابن عباس في الآية ، أنّه قال : بعليّ عليهالسلام (٣) .
وقال القاضي : الرواية عن طريق ابن عباس قد رواها ابن مردويه.
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٢٨٦ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٩٢.
(٢) تفسير روح البيان ٨ : ٣٧١.
(٣) نهج الحق : ٢٠٥ ، مناقب ابن المغازلي : ٢٧٥ / ٣٢١ ، وشواهد التنزيل ٢ : ١٥٣ / ٨٥٢ ، عن جابر الانصاري.