وعلى أيّ تقدير أنّه عليهالسلام دعا الناس إلى كلمة التوحيد ، وهو قول : لا إله إلّا الله ، المستفاد من تبريّة من جميع ما يعبدون إلّا خالقه ﴿وَجَعَلَها﴾ - بقوله : ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ﴾(١) - ﴿كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ ونسله وذرّيته إلى يوم القيامة ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ بدعوة الموحّدين منهم ﴿يَرْجِعُونَ﴾ من الشرك إلى التوحيد ، فيكون فيهم أبدا من يوحّد الله ويدعو إلى التوحيد ، ويكون إماما وحجّة على الخلق.
عن السجّاد عليهالسلام قال : « فينا نزلت هذه الآية ﴿وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ والإمامة في عقب الحسين عليهالسلام باقية إلى يوم القيامة » (٢) .
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله في خطبة الغدير : « معاشر الناس ، القرآن يعرفكم أنّ الأئمة من بعده ولده ، وإنّي عرّفتكم أنّهم منّي و[ أنا ] منه ، حيث يقول الله عزوجل : ﴿وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ » (٣) .
وفي ( المناقب ) عنه صلىاللهعليهوآله أنّه سئل عن هذه الآية فقال : « الامامة في عقب الحسين عليهالسلام ، يخرج من صلبه تسعة من الأئمة ، منهم مهدي هذه الامّة » (٤) .
﴿بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ * وَلَمَّا جاءَهُمُ
الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (٢٩) و (٣٠)﴾
ثمّ بيّن سبحانه أنّه مع جعله لإبراهيم كلمة التوحيد باقية في ذرّيته ، لم يؤمن به كلّهم بقوله : ﴿بَلْ مَتَّعْتُ﴾ ونفعت بالنّعم الدنيوية من الصحة وطول العمر ، وكثرة المال والأولاد وغيرها ﴿هؤُلاءِ﴾ المشركين المعاصرين للرسول من أهل مكّة ﴿وَآباءَهُمْ﴾ السابقين ، فمع أنّ حقّ تلك النّعم أن يشكروا المنعم ويوحدّوه ويعبدوه ، انهمكوا في الشهوات ، واغترّوا واشتغلوا بها عن كلمة التوحيد ، واستمرّوا على الشرك ﴿حَتَّى جاءَهُمُ﴾ من قبل الله القرآن الذي هو ﴿الْحَقُ﴾ وعين الصدق ﴿وَرَسُولٌ مُبِينٌ﴾ وظاهر الرسالة بالمعجزات الباهرات ، أو مظهر للتوحيد بالحجج القاهرات ﴿وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُ﴾ والقرآن الذي فيه وجوه من الاعجاز ليوقظهم عن نوم الغفلة ، ويرشدهم إلى التوحيد ، عاندوا الحقّ ، وطعنوا في القرآن ، وكونه معجزة ، و﴿قالُوا هذا﴾ القرآن الذي لا نقدر على الإتيان بمثله ﴿سِحْرٌ﴾ لا معجزة ﴿وَإِنَّا بِهِ﴾ وبكونه من جانب الله وكلامه ﴿كافِرُونَ﴾ وعنه معرضون.
﴿وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١)﴾
__________________
(١) إبراهيم : ١٤ / ٣٥.
(٢) كمال الدين : ٣٢٣ / ٨ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٨٧.
(٣) الاحتجاج : ٦٥ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٨٨.
(٤) مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ٤٦ ، تفسير الصافي ٤ / ٤٨٨.