في تفسير سورة الزخرف
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿حم * وَالْكِتابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١) و (٣)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الشورى المبدوءة بتعظيم القرآن ومدحه ، المتضمّنة للمنّة على العرب بإنزاله بلغتهم ولسانهم ، وللاستدلال على التوحيد والمعاد ، وذمّ المجادلين في الآيات المختصّة بمدح القرآن ، والتهديد على مخالفته ، نظمت سورة الزخرف المبدوءة بتعظيم القرآن ومدحه ، وإظهار المنّة على العرب بانزاله بلغتهم ولسانهم ، ثمّ تهديد المعارضين له والطاعنين فيه ، المتضمّنة لأدلة التوحيد وذمّ المجادلين فيه ، وغير ذلك من المطالب العالية المناسبة لما في السورة السابقة ، فابتدأها بذكر الأسماء المباركات بقوله تبارك وتعالى : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ افتتحها جلّ شأنه بلفظ ﴿حم﴾ وقد مرّ أنّ الحرفين رمزان من اسمين من الاسماء الحسنى ، أو أنّها اسم للسورة ، أو القرآن ، وعلى هذين القولين يكون المعنى هذه السورة أو هذا القرآن حم.
ثمّ حلف سبحانه بكتابه إظهارا لعظمته بقوله : ﴿وَالْكِتابِ الْمُبِينِ﴾ والواضح الدلالة للذين انزل اليهم ، أو المظهر للدين الحقّ ، والصراط المستقيم ، أو المبين للهدى من الضلال والحقّ من الباطل ، والخير من الشرّ ، والسعادة من الشقاوة.
ثمّ ذكر سبحانه المقسم عليه بقوله : ﴿إِنَّا﴾ أنزلنا و﴿جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا﴾ وركبّناه من الكلمات المتداولة على ألسنتكم أيّها العرب على نحو عجزت جميع الفصحاء عن إتيان سورة مثله ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ وتفهمون ما فيه من العقائد الحقّة ، والأحكام المحكمة ، والعلوم النافعة ، والحكم البالغة ، والمواعظ الشافية ، والعبر الوافية.
﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في مدحه بقوله : ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ﴾ واللّوح المحفوظ الذي هو أصل الكتب السماوية مثبوت ومضبوط ، وهو ﴿لَدَيْنا﴾ وعندنا والله ﴿لَعَلِيٌ﴾ قدرا ، ورفيع شأنا ، أو لعليّ عن طروّ