كلّه ، فانّ في إصابتكم البعض كفاية في هلاككم.
وقيل : ان البعض هنا بعنى الكلّ ، أو المراد من البعض العذاب الدنيوي ، الذي هو بعض ما يعدهم ؛ لأنّه كان يعدهم بالعذاب الدنيوي والاخروي (١) .
﴿إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي﴾ ولا يوصل إلى الخير والمقصود ﴿مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ﴾ ومتجاوز عن الحدّ في العصيان ، ومن هو ﴿كَذَّابٌ﴾ على الله وكثير الافتراء عليه. قيل : هو احتجاج آخر عليهم ، والمراد أنّه لو كان مسرفا كذّابا لما هداه الله إلى المعجزات القاهرة التي أظهرها لكم ، أو المراد أنّه لو كان كذلك خذله الله وأهلكه ، فلا حاجة إلى قتله (٢). ثمّ قال المؤمن : ﴿يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ﴾ والسّلطنة ﴿الْيَوْمَ﴾ حال كونكم ﴿ظاهِرِينَ﴾ وغاليين على بني إسرائيل ، أو على سائر الناس ﴿فِي﴾ هذه ﴿الْأَرْضِ﴾ وتلك المملكة ، وهي مملكة مصر ، لا يقاومكم في هذا الوقت أحد ، ومع ذلك الاقتدار الذي يكون لكم ﴿فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ﴾ وأخذه ، ومن يدفع عنّا عذابه ﴿إِنْ جاءَنا﴾ فلا تتعرّضوا لقتله بعد ما علمتم أنّه إن جاءنا لا يمنعنا منه أحد ، وإنّما نسب ما يسترهم من الملك والغلبة إليهم لتطيب قلوبهم ، وأدخل نفسه فيهم في الابتلاء بالعذاب ليؤذن بأنّه ناصح لهم ، سارع في دفع ما يرديهم كسعيه في نفسه ، ليقبلوا نصحه ﴿قالَ فِرْعَوْنُ﴾ بعد ما سمع نصح المؤمن : يا قوم ﴿ما أَراكُمْ﴾ وما اشير عليكم ﴿إِلَّا ما أَرى﴾ وأعتقد صلاحه ، وهو قتله ، لتنحسم مادة الفساد والفتنة ﴿وَما أَهْدِيكُمْ﴾ بهذا الرأي ، وما أرشدكم ﴿إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ﴾ والصواب.
قيل : كان كاذبا في إظهار الجلادة ، لأنّه كان في غاية الخوف من موسى ، ولولاه لما استشار في قتله أحدا (٣) .
في نصائح مؤمن آل فرعون
﴿وَقالَ :﴾ الرجل ﴿الَّذِي آمَنَ﴾ من آل فرعون نصحا لقومه : ﴿يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ﴾ من أن ترون يوما يكون ﴿مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ﴾ السالفة والامم الماضية والطوائف المختلفة المهلكة بالعذاب على تكذيب الرسل في الأزمنة السابقة ، أعني ﴿مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ وحالهم ﴿وَ﴾ قوم ﴿عادٍ وَ﴾ قوم ﴿ثَمُودَ﴾ حيث أهلكوا بالطّوفان والريح الصّرصر والصّيحة ﴿وَ﴾ حال ﴿الَّذِينَ﴾ كانوا ﴿مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ كقوم لوط وأضرابهم ، وإنّما كان هلاكهم باستحقاقهم له ﴿وَمَا اللهُ﴾ الحكيم العادل ﴿يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ﴾ بأن يعذّبهم قبل إتمام الحجّة ، أو بغير ذنب.
ثمّ لمّا رأى إصرار فرعون على قتل موسى بقوله : ﴿ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى﴾ أظهر إيمانه بموسى ،
__________________
(١و٢) تفسير روح البيان ٨ : ١٧٨.
(٣) تفسير أبي السعود ٧ : ٢٧٥ ، تفسير روح البيان ٨ : ١٧٩.