بكر من جهة كونهم متّبعي الهوى والآراء.
ثمّ لمّا هدّد سبحانه المشركين بعذاب الدنيا ، وبيّن حالهم وحال الموحّدين بضرب المثل ، ولم تؤثر تلك البيانات في كثير من القلوب القاسية ، وكان قلبه متأثّرا من لجاجهم ، سلّى سبحانه حبيبه بقوله : ﴿إِنَّكَ﴾ يا محمد ﴿مَيِّتٌ﴾ لا محالة ﴿وَإِنَّهُمْ﴾ أيضا ﴿مَيِّتُونَ﴾ عن قريب البتة ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ﴾ جميعا أنت وخصماؤك ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ ومليككم ، وفي محضر عدل من بيده اموركم ﴿تَخْتَصِمُونَ﴾ وتحاجّون ، فتقول : يا ربّ إنّي بلّغت ما ارسلت به واجتهدت في دعوة هؤلاء المشركين حقّ الاجتهاد ، فكذّبوني وأصرّوا على لجاجي وعنادي. وهؤلاء يقولون : ربّنا أطعنا ساداتنا وكبراءنا فأضلّونا السبيلا ، فيحكم الله لك عليهم ، فلا تبال اليوم بهم.
﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ
مَثْوىً لِلْكافِرِينَ * وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ
ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي
عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٢) و (٣٥)﴾
ثمّ حكم سبحانه على المشركين في الدنيا بكونهم أظلم الظالمين بقوله : ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ﴾ في نسبة أنّه اتّخذ لنفسه شريكا وولدا ﴿وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ﴾ والأمر الذي هو عين الحقّ ، وهو رسالة محمد صلىاللهعليهوآله ، وكون القرآن كلام الله ﴿إِذْ جاءَهُ﴾ وحين أتاه من غير تدبّر فيه والنظر في جهات إعجازه ، لا والله لا أظلم ولا أكفر منه ، ثمّ أردفه بالوعيد بقوله : ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ﴾ يوم القيامة أيّها العقلاء ﴿مَثْوىً﴾ ومستقرا أبديا ﴿لِلْكافِرِينَ﴾ الذين هؤلاء الظّلمة منهم ، بل هي مثواهم بالاستحقاق ، وبئس المثوى وبئس المصير.
ثمّ مدح سبحانه النبي صلىاللهعليهوآله والمؤمنين به بقوله : ﴿وَالَّذِي جاءَ﴾ من جانب الله ﴿بِالصِّدْقِ﴾ والقرآن المشتمل على المعارف الإلهية والحكم الكثيرة والأحكام والآداب والأخلاق ﴿وَ﴾ هو لمحمد الامّي والذي ﴿صَدَّقَ بِهِ﴾ وأقرّ له وهو أمير المؤمنين عليهالسلام على ما روي عن المعصومين من ذرّيته (١) ، بل روى العلامة في ( نهج الحق ) عن الجمهور عن مجاهد ، أنّه قال : هو عليّ بن أبي طالب عليهالسلام (٢) . ورواها
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٢٤٩ ، مجمع البيان ٨ : ٧٧٧ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٢٢.
(٢) نهج الحق : ١٨٥ / ١٩ ، كفاية الطالب : ٢٣٣ ، الدر المنثور ٧ : ٢٢٨ ، روح المعاني ٢٤ : ٣.