في تفسير سورة فاطر
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ
مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة سبأ المبدوءة بحمد الله على نعمة الإبداء والإعادة ، وتوبيخ المشركين ومنكري المعاد ، ومحاجّتهم وتهديدهم بالعذاب ، وذمّهم على شكّهم في اصول التوحيد والرسالة ودار الجزاء ، نظم بعدها سورة فاطر المبدوءة بحمد الله على نعمه الظاهرية ، وهي خلق الموجودات ، ونعمه الباطنية وهي إنزال العلوم والمعارف والأحكام والآداب بتوسّط الملائكة والأنبياء والرسل والأولياء ، وذكر الأدلة الدالّة على التوحيد والمعاد الرافعة للشكّ فيهما عن القلوب ، فابتدأ فيهما بذكر الأسماء المباركات بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ ثمّ أردفها بحمد ذاته المقدّسة بقوله : ﴿الْحَمْدُ﴾ والثناء الجميل ﴿لِلَّهِ﴾ ثمّ وصف ذاته بالقدرة الكاملة والنّعم الفاضلة الموجبتين لاستحقاقه الحمد بقوله : ﴿فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ ومبدعهما من غير مثال سابق و﴿جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً﴾ ووسائط بينه وبين أنبيائه ورسله وأوليائه ، يبلّغون إليهم العلوم والمعارف والحكم والأحكام والآداب بالوحي والإلهام والرّؤى الصادقة المتّصفين بكونهم ﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ﴾ وذويها كالطيور.
في كيفية خلق الملائكة
ثمّ بيّن عدد أجنحتهم (١) بقوله : ﴿مَثْنى﴾ واثنين اثنين ﴿وَثُلاثَ﴾ وثلاث ثلاث ﴿وَرُباعَ﴾ وأربع أربع. قيل : إنّ تفاوتهم في عدد أجنحتهم حسب تفاوت مراتبهم (٢) ، فانّهم مع خفّة أجسادهم ولطافتها محتاجون إليها ، فانّهم ينزلون من السماء إلى الأرض ، ويعرجون منها إلى محلّهم من السماء في طرفة عين و﴿يَزِيدُ﴾ الله ﴿فِي الْخَلْقِ﴾ منهم جثّة وقامة وحسنا وجناحا ﴿ما يَشاءُ﴾ منها.
__________________
(١) في النسخة : جناحهم.
(٢) تفسير البيضاوي ٢ : ٢٦٧ ، تفسير أبي السعود ٧ : ١٤١ ، تفسير روح البيان ٧ : ٣١٢.