أَفَلا يَسْمَعُونَ * أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ
زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَ فَلا يُبْصِرُونَ (٢٣) و (٢٧)﴾
ثمّ لمّا ذكر إعراض الكفّار عن الآيات ، وكان يتألم به قلب نبيّه صلىاللهعليهوآله ، سلّاه سبحانه بذكر نزول التوراة على موسى عليهالسلام وعدم إيمان كثير من قومه بها ، وصبر أنبياء بني إسرائيل على أذى قومهم بقوله : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا﴾ وأعطينا ﴿مُوسَى﴾ بن عمران ﴿الْكِتابَ﴾ المعهود ﴿فَلا تَكُنْ﴾ يا محمّد ﴿فِي مِرْيَةٍ﴾ وشكّ ﴿مِنْ﴾ أخذ موسى عليهالسلام ذلك الكتاب و﴿لِقائِهِ﴾ أو من لقائك موسى عليهالسلام ورؤيته في زمان حياتك ، كما رأيته ليلة المعراج مرّتين في السماء السادسة حين صعوده ونزوله ، أو في الآخرة ، أو من تلقّيك القرآن من لدن عليم حكيم ، كما تلقّى موسى عليهالسلام ذلك الكتاب الذي أنزلناه عليه ﴿وَجَعَلْناهُ﴾ سبب ﴿هُدىً﴾ ورشاد من الضلال ﴿لِبَنِي إِسْرائِيلَ﴾ الذين اهتدوا به ، كما جعلنا القرآن سبب الهداية لامّتك المؤمنين به.
﴿وَجَعَلْنا﴾ بعد موسى عليهالسلام في بني إسرائيل جماعة ﴿مِنْهُمْ﴾ أنبياء ليكونوا ﴿أَئِمَّةً﴾ وقادة لهم يقتدون بهم قولا وعملا ﴿يَهْدُونَ﴾ ويرشدون الخلق إلى الحقّ ﴿بِأَمْرِنا﴾ إيّاهم به ، أو بوحينا إليهم ، أو بتوفيقنا لهم ﴿لَمَّا صَبَرُوا﴾ على مشاقّ الطاعات وشدائد الامور وأذى قومهم ﴿وَكانُوا بِآياتِنا﴾ الدالة على معارفنا وأحكامنا ، لإمعان النظر فيها ﴿يُوقِنُونَ﴾ كما جعلنا في امّتك أئمة هداة مهديين يهدونهم إلى ما في كتابك من المعارف والأحكام والعلوم ، ومع ذلك لم يؤمن بكتاب موسى أمّته ، بل اختلفوا فيه ، فمنهم من آمن به ، ومنهم من كفر به ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ اللطيف بعباده ﴿هُوَ﴾ بذاته المقدّسة يتصدّى للحكومة و﴿يَفْصِلُ﴾ ويقضي ﴿بَيْنَهُمْ﴾ بإثابة المؤمين وتعذيب الكافرين ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ وفصل القضاء ﴿فِيما كانُوا﴾ في الدنيا ﴿فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ من صدق الأنبياء في إخبارهم بالتوحيد والمعاد وغيرهما من العقائد الحقّة والأحكام الإلهية ، بل حكم في الدنيا بينهم بمعاملته مع الأنبياء والمؤمنين بهم والكفار والمكذّبين لهم.
﴿أَ﴾ غفلوا ﴿وَلَمْ يَهْدِ﴾ ولم يظهر ﴿لَهُمْ﴾ بمطالعتهم الكتب وسماعهم بالتواتر كيف أكرمنا الأنبياء والمؤمنين ، ونصرناهم على أعدائهم و﴿كَمْ أَهْلَكْنا﴾ بعذاب الاستئصال ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ جماعة ﴿مِنَ الْقُرُونِ﴾ وأهل الأعصار السابقة ، كعاد وثمود والمؤتفكات وغيرهم وقومك ﴿يَمْشُونَ فِي﴾ أسفارهم وتجاراتهم في منازل أولئك الامم المهلكة و﴿مَساكِنِهِمْ﴾ الخربة ، ويشاهدون آثار نزول العذاب عليهم ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ الإهلاك والله ﴿لَآياتٍ﴾ كثيرة ، ودلالات واضحة على حكم الله بحقّانية الموحّدين ومصدّقي الأنبياء ، ومدّعي المعاد ، وبطلان القول بالشّرك وإنكار المعاد ، أهم صمّ