الكراسي (١) ، وهم الغرّ المحجّلون ، [ على الرجل منهم نعلان شراكهما من نور ، يضيء أمامهم ] حيث شاءوا من الجنة ، فبينا هم كذلك إذ أشرفت عليه امرأة من فوقه ، فتقول : سبحان الله ! يا عبد الله ، أما لنا منك دولة ؟ فيقول : من أنت ؟ فتقول : أنا من اللواتي قال الله : ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ » (٢) .
﴿أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا
فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا
عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٨) و (٢٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر حال المؤمن والمجرم وعاقبتهما ، وجّه الخطاب إلى العقلاء ، وأنكر احتمال التساوي بين الفريقين بقوله : ﴿أَ فَمَنْ كانَ﴾ في الدنيا ﴿مُؤْمِناً﴾ يمكن أن يحتمل أن يكون في الشّرف والمنزلة عند الله ﴿كَمَنْ كانَ﴾ في الدنيا ﴿فاسِقاً ؟ !﴾ لا يمكن ذلك و﴿لا يَسْتَوُونَ﴾ أبدا في شيء من الشرف والقرب والمثوبة.
ثمّ أنّه تعالى بعد إنكار احتمال التساوي والتصريح بعدمه ، والبيان الإجمالي لحسن عاقبة المؤمن ومثوبته ، وسوء عاقبة المجرم وعقوبته ، فصّل ثواب الأول وكيفية عذاب الثاني بقوله : ﴿أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بما يجب الإيمان به ﴿وَعَمِلُوا﴾ الأعمال ﴿الصَّالِحاتِ﴾ في الدنيا ﴿فَلَهُمْ﴾ في الآخرة بالاستحقاق ﴿جَنَّاتُ﴾ اللّاتي تكون لهم ﴿الْمَأْوى﴾ والمسكن الدائم. وعن ابن عباس : أنّ جنّة المأوى اسم إحدى الجنّان الثمان (٣) التي خلقها في الآخرة كلّها من الذهب (٤) ، حال كون تلك الجنّات ﴿نُزُلاً﴾ وتشريفا لورودهم على الله ، وصلة لهم ﴿بِما كانُوا﴾ في الدنيا ﴿يَعْمَلُونَ﴾ من الايمان والسجود عند تذكّر الآيات ، وتجافي جنوبهم عن المضاجع ، ودعاء ربّهم ، وإنفاقهم.
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا﴾ وخرجوا عن طاعة الله وكفروا به ﴿فَمَأْواهُمُ﴾ ومسكنهم ﴿النَّارُ﴾ سواء عملوا الصالحات أو السيئات ، لا يخرجون منها أبدا ﴿كُلَّما﴾ وفي أيّ وقت ضربهم لهيب النار وارتفعوا إلى طبقاتها وقربوا من بابها و﴿أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها﴾ ضربهم لهيب النار أو تتلقّاهم
__________________
(١) في المحاسن : على كراسي من نور.
(٢) المحاسن : ١٨٠ / ١٧٢ ، تفسير الصافي ٤ : ١٥٧.
(٣) في النسخة : الجنات المأوى اسم إحدى الجنات الثمانية.
(٤) تفسير روح البيان ٧ : ١٢٢.