﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ
ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤)﴾
ثمّ لمّا كان مجال أن يقال : متى يكون ذلك اليوم ؟ قال سبحانه : ﴿إِنَّ اللهَ﴾ يثبت ﴿عِنْدَهُ﴾ وحده ﴿عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ ووقت قيام القيامة. ثمّ أردفه بسائر ما يختصّ علمه به بقوله : ﴿وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ والمطر الذي به رزق الخلق وبقاؤهم في الزمان الذي قدّره إلى محلّه الذي عيّنه في علمه لا يعلمه غيره ﴿وَ﴾ هو ﴿يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ﴾ من ذكر وانثى ، حيّ أو ميت ، جميل أو قبيح ، تامّ أو ناقص ، سعيد ، أو شقيّ إلى غير ذلك من الصفات ، وهو يعلم عواقب امور كلّ أحد ﴿وَما تَدْرِي﴾ وتعلم ﴿نَفْسٌ﴾ من النفوس ﴿ما ذا تَكْسِبُ﴾ وتحصل من المنافع الدنيوية والاخروية ﴿غَداً﴾ وفي اليوم الذي يكون بعد يومه ﴿وَما تَدْرِي﴾ وتعلم ﴿نَفْسٌ﴾ من النفوس أنّها ﴿بِأَيِّ أَرْضٍ﴾ وأيّ مكان ﴿تَمُوتُ﴾ من برّ أو بحر ، أو سهل أو جبل ، كما لا تدري في أيّ وقت تموت.
روي أنّ ملك الموت مرّ على سليمان عليهالسلام فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه ، فقال الرجل : من هذا ؟ قال : ملك الموت. فقال : كأنّه يريد بي ، فمر الريح أن تحملني وتلقيني في بلاد الهند ، ففعل فقال الملك : كان دوام نظري إليه تعجّبا منه ، إذ أمرت أن أقبض روحه بالهند ، وهو عندك (١) .
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : « مفاتيح الغيب خمس » ، وتلا هذه الآية ، ثمّ قال : « من أدّعى علم شيء من هذه المغيبات الخمس ، فهو كافر بالله تعالى » (٢) .
ثمّ عمّم سبحانه علمه بجميع الأشياء بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ﴾ بذاته ﴿عَلِيمٌ﴾ بالأشياء كلّها ﴿خَبِيرٌ﴾ ومطّلع بكنهها وحقائقها وبواطنها ، وإنّما عدّ هذه الخمس لما روي من سبب النزول من أنّ الحارث بن عمرو من أهل البادية أتى النبي صلىاللهعليهوآله فسأله عن الساعة ووقتها ، وقال : إنّ أرضنا أجدبت ، وإنّي ألقيت حياتي في الأرض ، فمتى ينزل المطر ؟ وتركت امرأتي حبلى فحملها ذكر أم انثى ؟ وإنّي أعلم ما عملت أمس ، فما أعمل غدا ؟ وإنّي علمت أين ولدت ، فبأي أرض أموت ؟ فنزلت (٣) . وقد كان المنجمون والكهنة يدّعون علمها.
وانّما أخفى الله وقت الساعة ، ليكون الناس على حذر واهبة ، كما روي أنّ أعرابيا قال للنبي صلىاللهعليهوآله : متى الساعة ؟ فقال عليهالسلام : « ما أعددت لها » قال : لا شيء إلّا أنّي احبّ الله ورسوله. فقال : « أنت مع من
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٧ : ٧٨ ، تفسير روح البيان ٧ : ١٠٤.
(٢) تفسير روح البيان ٧ : ١٠٤.
(٣) تفسير روح البيان ٧ : ١٠٣.