وفي مجال تفنيد هذه المزاعم والافتراءات نختار اثنين من المستشرقين بسبب آرائهما حول الموضوع وليس بسبب آرائهما في أى موضوع آخر.
يقول «مارسيل بوازار» : «.. لقد كان محمد «صلىاللهعليهوسلم» نبيا لا مصلحا اجتماعيا ، وأحدثت رسالته في المجتمع العربى القائم آنذاك تغييرات أساسية ما تزال آثارها ماثلة فى المجتمع الإسلامى المعاصر» (١).
ثم يستطرد مارسيل قائلا : «مما لا ريب فيه أن محمدا «صلىاللهعليهوسلم» قد اعتبر ، بل كان في الواقع ، ثائرا في النطاق الذى كان فيه كل نبى ثائرا بوصفه نبيا ، أى بمحاولته تغيير المحيط الذى يعيش فيه» (٢).
أما زعم «واط» أن محمدا «صلىاللهعليهوسلم» ما اعتزل الناس في غار حراء إلا تكفيرا عن بعض خطاياه ، أو هروبا من حر مكة ، كما صرح في موضع آخر ، فإن هذا مدفوع بما قدمناه من حقائق ، وأيضا بما يقوله المستشرق «هنرى دى فاسترى» الذى علل عزلة الرسول بالهروب (من عبادة الأوثان ومذهب تعدد الآلهة الذى ابتدعه المسيحيون ، وكان بعضهما متمكنا من قلبه وكان وجود هذين المذهبين أشبه بإبرة فى جسمه «صلىاللهعليهوسلم») (٣).
مونتجمرى واط يكشف عن هدفه ، فيقول عن كيفية من كيفيات الوحى فى الفترة المكية : «ولا شك أننا أمام تعبير داخلى من النوع الفكرى أكثر منه من النوع الخيالى ، ولربما لم يصحب ذلك أية رؤية حتى ولو كانت فكرية» (٤).
ثم يتكلم «واط» عن كيفية أخرى ـ أكثر تطورا من سابقتها ـ فيقول : إن «الوحى كان عندئذ كما يبدو من نوع التعبير الخيالى ولكنه مصحوب بدون شك برؤية عقلية أو خيالية لجبريل ، ويوحى قول الحديث «على صورة إنسان» ... بأنها كانت رؤية خيالية» (٥).
يريد المستشرق أن يقول : إن الوحى القرآنى ليس شيئا خارجا عن الذات المحمدية ، وإنما منها نبع ، لقد وصل المكر بهذا المستشرق الاعتماد على القرآن ليلقى بهذه الفرية ، ولكن هيهات (٦) فاللقاء بين والتلقى كان يتم بين ذاتين : ذات النبى المتلقى ،
__________________
١ ـ مارسيل بوازار : إنسانية الإسلام ص ٩٩ ترجمة د ، عفيفى دمشقية. دار الأدب. بيروت ١٩٨٠ م
٢ ـ المصدر السابق.
٣ ـ هنرى دى فاسترى : الإسلام : خواطر وسوانح ص ١٦ ، ١٧. ترجمة أحمد فتحى زغلول باشا. مطبعة الشعب. القاهرة ١٩١١ م وانظر : د. عماد الدين خليل : السابق ص ٩٩ ، ١٠٨.
٤ ـ محمد في مكة ص ٩٨ ـ ٩٩.
٥ ـ محمد في مكة ص ١٠٠.
٦ ـ أنظر : منهج مونتجمرى واط في دراسة نبوة محمد للدكتور ، جعفر شيخ إدريس ص ٢٣١ (مناهج المستشرقين في الدراسات العربية ج ١).