فنشر منه في عدّة أعداد من مجلّته مجلّة النهج وتوثّقت بينه وبين الشيخ الاتّصالات ، وتبادلت بينهما الرسائل حتّى استطاع الأستاذ صدر الدين أن يقوم بطبع كتابه شيخ المضيرة الطبعة الأولى في صور ـ لبنان(١) ـ وكما تبادلت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) وفي تلك الفترة كتب الأستاذ صدر الدين مقدّمة على كتاب شيخ المضيرة قال فيها :
«أقدّم كتاباً ما عرفت صاحبه من قبل ، وإذا كان جهل مثله خمولا في الاطّلاع وقصوراً في النشاط ، فإنّي أحمد لعدوّه أن زكّاه عندي وهو يبالغ بتجريحه والعدوان عليه.
ولقد عرفته أوّل مرّة في كتاب (السنّة) للدكتور السباعي ، إذ استهدفه هذا بنقد عاطفي دلّني على القيمة في (أبو ريّة) وفي (أضوائه) الصافية ، الأمر الذي أتاح لي شرف الدفاع عن الحقيقة فيه وفي كتابه المذكور دون معرفة به ، ولا إلمام بكتابه.
وعرفته بعد ذلك من خلال (أضوائه) فعرفت عالماً متبحّراً يلين بيده الموضوع الصعب ، ويرتفع بناؤه منهجيّاً ، يوازن شكله محتواه وينهض به ، وفي الحقّ أنّه من أنفس ما أنتجته الدراسات الإسلامية الحديثة ، وأهداها في فنّ الوصول إلى الحقيقة.
ولا يقلّ (شيخ المضيرة) الكتاب الذي نقدّمه عن كتاب (الأضواء) بل هو فلذة منه تناولها المؤلّف بالتحسين ، وخصّها برعاية أبرزتها عملاً مستقلاًّ ذا عطاء يغني محصول (الأحياء) المعتبر اليوم أحد مصادر تقدّمنا الأساسية.
وقد أوضحنا غير مرّة أن تجديد الأبحاث القديمة شيء ، ونبش الضغائن شيء آخر ، وأنّ التناول الموضوعي هو القياس في التمييز بينهما ، ولا حاجة للتأكيد أنّ أوّلهما نافع ، وثانيهما ضارّ ، ولكن ما يجب التحذير منه هو الخلط بينهما ، فالخلط خبط يثير الحفائظ وينتج الفتن ، ولا ينفع إلاّ الأعداء.
أقول هذا وأشير إلى العلاّمة مؤلّف هذا الكتاب الناهض شاهداً من عشرات الشواهد على نتائج الخلط المشار إليه ، أفليس من أغرب ما يسمعه المرء المعاصر أن يحاصر كاتب حرّ وتضرب حوله السدود والأقفال لرأي قاده إليه الدليل ، وحرّكه نحوه الجهر بالحقّ؟
تلك هي محنة العلاّمة (أبو ريّة) ، وهي محنة إذا وجدت في القرون الوسطى