ورواته قرناً بعد قرن ، فإنّ المستشرقين لم يفتروا شيئاً من عند أنفسهم إنّما وجدوا مادّة خَصِبة من الخرافات والأوهام قد بُثّت في ديننا وقد نسب بعضها إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) كذباً وزوراً فتشبّثوا بها واستفادوا منها(١) ، فلا تلوموهم ولوموا أنفسكم على ما اقترفتموه من وضع الأحاديث.
ولكي يطمئنّ قلب القارئ بما قلناه وتسكن نفسه إلى ما بيّناه نتسائل : فإذا كان الأمر كذلك ؛ فماذا نفعل بهذه الأحاديث؟ ، أليس من الصواب التمحيص فيها ـ وإن كانت صحيحة الإسناد ـ ونميّز بين الصحيح منها وبين السقيم ممّا وضعه الوضّاعون ، ونكذّب الأحاديث التي لا نجد لها صبغة البلاغة وفيها اهتزاز الجزالة؟ إذاً ما القاعدة في التمييز بينها؟
لقد فطن المحدّثون القدماء إلى هذا كلّه وقد بذلوا جهدهم ما استطاعوا في الأخذ بالصحيح من غيره وتنقيته من كذب الكذّابين ووضع الوضّاعين(٢) ، ولكن هذا الجهد على عظمته لم يكن كافياً ، فمن أعسر الأشياء وأشدّها تعقيداً هو دراسة النصّ نفسه في كتاب مستوف حتّى يتبيّن للناس أين هم من دينهم ؛ فلا بدّ إذن من أن نتعمّق في دراسة نصّ الحديث الذي حمل الطِّمّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) وذلك لأنّ الجيل الجديد قد بلغ درجة من السحر العلمي والنضج الفكري والعقلي فهو ينفر من الأوهام ولا يهتمّ إلاّ بالحقائق ولا يسعى إلاّ إلى المعرفة والعلم النافع ينبذ كلّ ما عدا ذلك مهما كان ومهما كان قائله.
(٢) غاية جهدهم تأليف كتب في انتقاء الحديث والأخذ بالصحيح من غيره فميّزوا الموضوعات من غيرها كابن الجوزي في (موضوعاته) والسيوطي في (اللئالي الموضوعة) وسائر من سلك مسالكهم ، ولكن لم يتعرّضوا إلى الموضوعات في الصحيحين وفي غيرها من الصحاح المعتبرة عندهم.