ممّا لا يكاد يختلف فيه إثنان ولا يحتاج إلى إثباته بالبرهان هو أنّ السنّة المحمّدية ـ منذ بداية الدعوة الإسلامية ومنذ نزول الوحي وحتّى يومنا هذا ـ تعتبر في الدرجة الثانية بعد القرآن الكريم ؛ وذلك لأنّه لا ريب في حجّيتها لقوله تعالى : (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنكُمْ فَإِنْ تَنزَعْتُمْ فِي شَيء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)(١) ؛ فالردّ إلى الله هو الأخذ بمحكم كتابه والردّ إلى الرسول هو الأخذ بسنّته الجامعة غير المفرّقة(٢).
وأمّا الفرق في حجّيّة القرآن والسنّة هو أنّ القرآن قد جاء من طريق التواتر بحيث لا يعتريه ريب فهو من أجل ذلك مقطوع به جملةً وتفصيلا أمّا السنّة فقد جاءت من طريق الآحاد فهي مظنونة في تفصيلها وإن كانت مقطوعةً بجملتها ، فالقرآن مثلا لم يذكر تفاصيل الصلاة والزكاة وهما من أهمّ أركان الإسلام بل اكتفى بمثل قوله (أَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاة)(٣) لكنّ الحديث فصّل أوقات الصلاة وكيفيّاتها ، وهذان أمران من بين مئات الأوامر التي تناولتها أفعال الرسول وأقواله ، ولذلك كان الفرض على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يبيّن للناس أحكام الشريعة وما اختلف منها وتشابه عليهم لأن يتفكّروا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) سورة النساء : ٥٩
(٢) من كتاب كتَبَه الإمام عليٌّ عليه السلام للأشْتَر النَّخَعىّ لمَّا ولاّه على مصر وأعمالها ، حين اضطرب أمر أميرها محمَّد بن أبي بكر ؛ وهو أطوَلُ عهْد كتَبَه وأجمعه للمحاسن. نهج البلاغة كتاب٥٣ ، قال العلاّمة المجلسي : لعلّ المراد بالجامعة غير المفرّقة المتواترة ؛ وقيل : أي يصير نيّاتهم بالأخذ بالسنة واحدة. بحار الأنوار ج٢ ص٢٤.
(٣) البقرة :٢ : ٤٣