أحدهما : أن يكون الفطرة هنا الدين ، ويكون (على) بمعنى اللام ؛ فكأنّه قال : كلّ مولود يولد للدّين ومن أجله ؛ يشهد بذلك قوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ)(١) ؛ تقول العرب : صِفْ عليّ كذا وكذا حتّى أعرفه ؛ بمعنى صِفْ لي ؛ و : سقط الرجل لوجهه ؛ أي : على وجهه.
وعلى هذا تأويل قوله : (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها)(٢) ؛ أراد دين الله الّذي خلق الخلق له.
وقوله : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)(٣) ؛ المراد به أنّ ما خلق العباد له من العبادة والطاعة ليس ممّا يتغيّر ويختلف ، حتّى يكون يخلق قوماً للطاعة ، وآخرين للمعصية.
والوجه الآخر في تأويل الفطرة : أن يراد بها الخلقة ، ويكون لفظة (على) على ظاهرها ، ويكون المعنى : كلّ مولود يولد على الخلقة الدالّة على وحدانية الله وعبادته والإيمان به ، لأنّه تعالى قد صوّر الخلق على وجه يقتضي النظر في معرفته والإيمان به ؛ وإن لم ينظروا ولم يعرفوا ، فكأنّه عليه السلام قال : كلّ مخلوق ومولود فهو يدلّ بخلقه وصورته على عبادة الله ؛ وإن عدل بعضهم فصار يهوديّاً ونصرانيّاً.
__________________
(١) الذاريات : ٥٦.
(٢) الروم : ٣٠ ؛ (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْديلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون).
(٣) نفس السورة والآية.