فقال : كيف ينفى كون تولية الوجوه إلى الجهات من البرّ وإنّما يفعل ذلك في الصلاة ، ونفي برّ لا محالة ، وكيف خبّر عن البرّ بـ : (من) ، والبرّ مصدر و (من) اسم مخصّ وعن أيّ شيء كنّى بالهاء ، (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ)؟! وما المخصوص بأنّها كناية عنه ، وقد تقدّمت أشياء كثيرة وعلى أيّ شيء ارتفع الموفون؟! وكيف نصب الصابرين وهم معطوفون على الموفين؟! وكيف وحّد الحكاية في مواضع وجمعها في آخر ، فيقال له فيما ذكره أوّلاً جوابان :
أحدهما : أنّه أراد : ليس الصلوة هي البرّ كلّه لكنّه ما عدّده في الآية من أنواع الطاعات وأصناف الواجبات ، فلا تظنّوا أنّكم إذا توجّهتم إلى الجهات بصلاتكم أنّكم أحرزتم البرّ بأسره ، وحرزتموه كلّه ، بل يبقى معظمه وأكثره.
الثاني : أنّ النّصارى لـمّا توجّهوا إلى المشرق واليهود إلى بيت المقدس ، وأخذوا هاتين الجهتين قبلتين واعتقدوا في الصلوة إليهما أنّها البرّ والطاعة خلافاً على الرسول عليهالسلام ، أكذبهم تعالى في ذلك وبيّن أنّ ذلك ليس من البرّ لأنّه منسوخ بشريعة النبيّ عليهالسلام التي تلزم جميع المكلّفين ، وأنّ البرّ هو ما تضمّنته الآية فأمّا إخباره عن البرّ بـ : (من) ، ففيه وجوه :
أوّلها : أن يكون معنى البرّ هنا البارَّ وذا البرّ ، ويجعله أحدهما مكان الآخر ، والتقدير : ومن البارّ من آمن بالله ، ويجري مجرى قوله : (إنْ أصبَحَ
__________________
وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).