أرّقني فقدك من راحل |
|
واستلَّ من عينيَّ طعم الكَرى |
وبنت لا عن ملل من يدي |
|
وغبت عن عينيَّ لا عن قِلى |
فكيف ولّيت وخلّفتني |
|
أكرع من بعدك كأس الأسى |
كأنّني سار على قفرة |
|
مسلوبة أعلامُها والصُّوى |
أو منفض من كلّ أزوادِه |
|
يحرقه القيظ بنار الصّدى(١) |
إنّ هذا المزيج الذي يحكي تارةً عن بكاء ونشيج ، وأخرى عن قلب بهيج ، لخير دليل على أنّه كان يحمل في جوانحه الودّ والوفاء والإخلاص ، ونقاء السريرة وحسن السيرة ، فنراه كيف يتألّم ويتوجّع ويتفجّع ويتحرّق ويبدي بالغ الأسى سواء إذا رثى القادر بالله أم إذا رثى صديقاً له ، وكيف يسرّ ويبتهج ويهدي أرقّ المدائح وأعذبها ويسدي أسمى آيات المودّة والثناء سواء كان الممدوح هو القائم أم أباه أو أيّ شخص آخر حفل به ديوانه ، حيث نرى فيه قصائد المدح والرثاء جَزِلَة وأوراقه بسلسال ندى الشعر خضِلة ، وحقّ لمن كانت هذه سجيّته ونواياه وسجائحه وعطايا ومناه وهداياه أن يتقرّب إليه الرفيع والوضيع والعالي والداني والقويّ والواني ، حتّى عُدّ ـ وكما ذكرنا سابقاً ـ بعض الخلفاء وأبناء الخلفاء والملوك وأبناء الملوك والولاة والأمراء و... من تلامذته ، فإنّه لم يكن من شعراء الملوك بل من ملوك الشعراء ، وهذا هو الديوان يدلّنا على تشوّق الملوك إلى استماع شعره والإنصات إليه فقد ذكر لنا من بين طيّات صفحاته أنّ الشريف المرتضى
__________________
(١) ديوان الشريف المرتضى : ١ / ١٥٥.