ورده ، والسهام تقع بين يديه وتمرّ على صماخيه يميناً وشمالاً ، فلا يرتاع لذلك ، ولا يقوم حتّى يفرغ من وظيفته؟! وما ظنّك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده؟!
وأنت إذا تأمّلت دعواته ومناجاته ، ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله ، وما يتضمّنه من الخضوع لهيبته ، والخشوع لعزّته ، والاستحذاء له(١) ، عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص ، وفهمت من أيّ قلب خرجت ، وعلى أيّ لسان جرت!
وقيل لعليّ بن الحسين عليهالسلام ـ وكان الغاية في العبادة ـ : أين عبادتك من عبادة جدّك؟ قال : «عبادتي عند عبادة جدّي كعبادة جدّي عند عبادة رسول الله (صلى الله عليه وآله)»(٢).
٥ ـ الزهد :
أجمع الناس على أنّه (صلى الله عليه وآله) كان أزهد أهل زمانه ، فهو الذي طلّق الدنيا ثلاثاً(٣) ، وقد كان قوته الشعير غير المأدوم ، ولم يشبع من البُر ثلاثة أيّام.
قال قبيصة بن جابر : «ما رأيت أزهد في الدنيا من عليّ بن أبي طالب (رض)»(٤).
__________________
(١) الاستحذاء : الخضوع والذل.
(٢) شرح ابن أبي الحديد ج١ ص٢٧.
(٣) انظر : نهج البلاغة : ٤٨٠ رقم ٧٧ ، أمالي القالي ج٢ ص١٤٧ ، حلية الأولياء ج١ ص٨٤ ـ ٨٥ ، الاستيعاب ج٣ ص١١٠٧ ـ ١١٠٨.
(٤) الزهد ص١٦٦ ح٤٠٣.