وقد قال ابن زهرة
في مقدّمة الكتاب : «فإنّي لمّا رأيت كتب أصحابنا ـ رضي الله عنهم ـ في التكليف
عقلاً وسمعاً بين مطوّل يَشُقُّ ضبطه من قصد إليه ومقصَّر تمُسُّ الحاجة إلى
الزيادة عليه ألّفت هذا الكتاب مجنّباً به عن الأمرين ، سالكاً فيه منزلة بين
المنزلتين ، جامعاً بين أصول الدين وفروعه ، مشيراً في الفروع إلى الأدلّة ، لاسيّما
في الأماكن المشتبهة المهمّة ...».
لقد رتّب ابن زهرة
كتابه الغنية ترتيباً خاصّاً ، حيث ابتدأ بإثبات التكاليف العقلية وختم بشرح
التكاليف السمعية ، وبعبارة أخرى أنّه افتتح كتابه بالعلوم العقلية وذلك لأنّه كان
يعتقد بان أساس العلوم الدينية النقلية (السمعية) مبتن على المدركات العقلية ،
ولتبيين ذلك ـ أي التفكيك بين العلوم الدينية العقلية والعلوم الدينية النقلية
وتقدّم التكاليف العقلية رتبة على التكاليف النقلية ـ ولإثبات وجوب التأمّل
والتدبّر في الآثار الإلهية التي هي مقدمة لمعرفة الله وهو أوّل أمر يجب معرفته
على المكلّف ، نرى ابن زهرة في بداية كتابه ـ بعد المقدمة وقبل بداية القسم الأوّل
من الكتاب (أصول الدين) ـ ذكر فصلين ـ وإن كانا مختصرين ـ بيّن فيهما المباني
النظرية التي اعتمدها المؤلّف في تأليفه للكتاب وترتيبه للمباحث العلمية فيه.
لقد جاء في الفصل
الأوّل بيان المراد من (التكليف) وذلك تحت عنوان : (في بيان حقيقة التكليف وضروبه
ومراتبه) وقد ساق الكلام فيه هناك إلى تقسيمه إلى التكليفين العقليّ والسَّمعيّ ،
وفي نهاية هذا الفصل أشار ابن
__________________