ثمّ تكلّم أبو البختري بن هشام فقال : أرى أن تحملوه على بعير فتشدّوا وثاقه عليه ، ثمّ تخرجوه من أرضكم حتّى يموت أو يذهب حيث شاء ، فقال إبليس : بئس الرأي ، تعمدون إلى رجل أفسد جماعتكم ، ومعه منكم طائفة ، فتخرجونه إلى غيركم ، فيأتيهم فيفسد منهم أيضا جماعة بما يرون من حلاوة كلامه وطلاقة لسانه ، وتجتمع إليه العرب وتستمع إلى حسن حديثه ، ثمّ ليأتينّكم بهم فيخرجكم من دياركم ويقتل أشرافكم. فقالوا : صدق والله الشيخ.
فتكلّم أبو جهل فقال : أرى أن يجتمع من كلّ بطن منكم رجل ويأخذون السّيوف فيضربونه جميعا ضربة رجل واحد ، فيتفرّق دمه في القبائل ، فلا يدري قومه من يأخذون به ، ولا يقومون على حرب قريش كلّهم ، وإذا طلبوا العقل عقلناه واسترحنا ، فقال إبليس : صدق والله [ هذا ] الشاب ، وهو أجودكم رأيا ، القول قوله ، فتفرّقوا على رأيه ، فنزل جبرئيل فأخبر النبيّ صلىاللهعليهوآله بذلك ، وأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه ، وأمره بالهجره إلى المدينة ، فبيّت عليّا عليهالسلام على مضجعه ، وخرج هو وأبو بكر إلى الغار (١) .
وعن العيّاشي : عن أحدهما عليهماالسلام : « أنّ قريشا اجتمعت فخرج من كلّ بطن اناس ، ثمّ انطلقوا إلى دار النّدوة ليتشاوروا فيما يصنعون برسول الله صلىاللهعليهوآله ، فإذا شيخ قائم على الباب ، فإذا ذهبوا ليدخلوا قال : أدخلوني معكم ، قالوا : ومن أنت يا شيخ ؟ قال : أنا شيخ من مضر ، ولي رأي اشير به عليكم ، فدخلوا وجلسوا وتشاوروا وهو جالس ، وأجمعوا أمرهم على أن يخرجوه ، فقال : ليس هذا لكم برأي ، إن أخرجتموه أجلب عليكم (٢) النّاس فقاتلوكم ، قالوا : صدقت ، ما هذا برأي.
ثمّ تشاوروا فأجمعوا أمرهم على أن يوثقوه ، قال : ليس هذا برأي ، إن فعلتم هذا ومحمّد رجل حلو اللّسان ، أفسد عليكم أبناءكم وخدمكم ، وما ينتفع أحدكم إذا فارقه أخوه وابنه وامرأته.
ثمّ تشاوروا فأجمعوا أمرهم على أن يقتلوه ؛ يخرجون من كلّ بطن منهم بشاهر فيضربونه بأسيافهم جميعا عند الكعبة » . ثمّ قرأ هذه الآية : ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ﴾(٣) .
وعن القمّي : نزلت بمكّة قبل الهجرة ، وكان سبب نزولها أنّه لمّا أظهر رسول الله صلىاللهعليهوآله الدّعوة بمكّة قدمت عليه الأوس والخزرج ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله : « تمنعوني وتكونون لي جارا حتّى أتلو عليكم كتاب ربّي وثوابكم على الله الجنّة » ، فقال سعد بن زرارة والبراء بن معرور وعبد الله بن حزام : يا رسول الله ، اشترط لربّك ولنفسك ما شئت ، فقال لهم : « موعدكم العقبة في اللّيلة الوسطى من ليالي
__________________
(١) تفسير روح البيان ٣ : ٣٣٨.
(٢) أجلب عليكم : جمع الناس عليكم وألّبهم.
(٣) تفسير العياشي ٢ : ١٩٠ / ١٧٢٢ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٩٢.