فأقبل عتبة يقول : يا معشر قريش ، اجتمعوا واسمعوا ، ثمّ خطبهم فقال : يمن مع رحب ، ورحب مع يمن ، يا معشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدّهر ، وارجعوا إلى مكّة و[ اشربوا ] الخمور وعانقوا الحور ، فإنّ محمدا له إلّ وذمّة وهو ابن عمّكم ، فارجعوا ولا تردّوا قولي (١) ، وإنّما تطالبون محمّدا بالعير التي أخذها بنخلة ، ودم ابن الحضرمي وهو حليفي وعليّ عقله (٢) .
فلمّا سمع أبو جهل ذلك غاظه وقال : إنّ عتبة أطول الناس لسانا وأبلغهم كلاما ، ثم قال : يا عتبة ، نظرت إلى سيوف بني عبد المطلب وجبنت وانتفخ سحرك ، وتأمر النّاس بالرّجوع وقد رأينا ثارنا بأعيننا ، فنزل عتبة عن جمله وحمل على أبي جهل ، وكان على فرس ، فأخذ بشعره فقال النّاس : يقتله (٣) ، فقال : أمثلي يجبن ؟ ! وستعلم قريش اليوم أيّنا ألأم وأجبن ، وأيّنا المفسد لقومه ، لا يمشي إلّا أنا وأنت إلى الموت عيانا ، ثمّ قال :
هذا جناي وخياره فيه وكلّ جان يده إلى فيه.
ثمّ أخذ بشعره يجرّه ، فاجتمع إليه النّاس فقالوا : يا أبا الوليد ، الله [ الله ] لا تفتّ في أعضاد النّاس ، تنهى عن شيء وتكون أوّله ، فخلّصوا أبا جهل من يده.
فنظر عتبة إلى أخيه شيبة ونظر إلى ابنه الوليد فقال : قم يا بني ، فقام ثمّ لبس درعه ، وطلبوا له بيضة تسع رأسه فلم يجدوها لعظم هامته ، فاعتمّ بعمامتين ، ثمّ أخذ سيفه وتقدّم هو وأخوه شيبة وابنه الوليد ونادى : يا محمّد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش ، فبرز إليه ثلاثة نفر من الأنصار : عوذ (٤) ومعوّذ وعوف [ من ] بني عفراء فقال عتبة : من أنتم ؟ انتسبوا لنعرفكم. فقالوا : نحن بنو عفراء أنصار الله وأنصار رسول الله ، فقال : ارجعوا فإنّا لسنا إيّاكم نريد ، إنّما نريد الأكفاء من قريش ، فبعث إليهم رسول الله صلىاللهعليهوآله « أن ارجعوا » فرجعوا ، وكره أن يكون أولّ الكرّة بالأنصار ، فرجعوا ووقفوا موقفهم.
ثمّ نظر رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ؛ وكان له سبعون سنة ، فقال له : « قم يا عبيدة » ، فقام بين يديه بالسّيف ، ثمّ نظر إلى حمزة بن عبد المطّلب فقال : « قم يا عمّ » ، ثمّ نظر إلى أمير المؤمنين عليهالسلام فقال له : « قم يا عليّ » ؛ وكان أصغر القوم سنّا فقال : « اطلبوا بحقّكم الذي جعله الله لكم ، فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد أن تطفئ نور الله ويأبى الله إلّا أن يتمّ نوره» .
ثمّ قال : « يا عبيدة عليك بعتبة » ، وقال لحمزة : « عليك بشيبة » ، وقال لعليّ عليهالسلام : « عليك بالوليد بن عتبة » ، فمرّوا حتّى انتهو إلى القوم ، فقال عتبة : من أنتم انتسبوا لنعرفكم. فقال عبيدة : أنا عبيدة بن
__________________
(١) في المصدر : رأيي.
(٢) أي ديته.
(٣) زاد في المصدر : فعرقب فرسه.
(٤) في مغازي الواقدي ١ : ٦٨ معاذ ، بدل : عوذ.