بِهِ الْأَقْدامَ (١٠) و (١١)﴾
فذكّرهم سبحانه ذلك الوقت بقوله : ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ وتسالونه النّصر والغلبة على عدوّكم ﴿فَاسْتَجابَ لَكُمْ﴾ وأنجح مسألتكم بأن أوحى إلى رسوله صلىاللهعليهوآله ﴿أَنِّي مُمِدُّكُمْ﴾ ومؤيّدكم ﴿بِأَلْفٍ﴾ مقاتل ﴿مِنَ الْمَلائِكَةِ﴾ حال كونهم ﴿مُرْدِفِينَ﴾ ومتتابعين بعضهم إثر بعض ، أو متابعين للمسلمين.
ثمّ نبّه سبحانه على غناه في نصر المسلمين عن الملائكة ، وإنّما كان إنزالهم ليراهم المسلمون فتطمئنّ بهم قلوبهم ، ويفرحوا برؤية أنصارهم ، بقوله : ﴿وَما جَعَلَهُ اللهُ﴾ أيّها المسلمون وما أنزلهم ﴿إِلَّا﴾ ليكون نزولهم ﴿بُشْرى﴾ لكم وموجبا لسرور قلوبكم بمشاهدة سبب نصركم ﴿وَلِتَطْمَئِنَ﴾ بإمدادهم وتستقرّ ﴿بِهِ﴾ من التّزلزل الحاصل من الوجل من كثرتهم وشوكتهم ، وقلّة عددكم وعدّتكم ﴿قُلُوبُكُمْ﴾ فإن نظركم إلى الأسباب ﴿وَمَا النَّصْرُ﴾ والغلبة لأحد ﴿إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾ وبقدرته وإرادته ﴿إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ﴾ وغالب على خلقه ، وقويّ على إنفاذ إرادته بلا حاجة إلى شيء ﴿حَكِيمٌ﴾ في فعاله ، مراع للمصالح فيها.
قيل : إنّ الملائكة لم يقاتلوا مستدلّا بهذه الآية ، وقيل : إنّهم قاتلوا وقتلوا مستدلّا بالرّوايات.
روي عن ابن مسعود أنّه قال له أبو جهل : من أين الصّوت الذي كنّا نسمع ولا نرى شخصا ؟ قال : هو من الملائكة ، فقال أبو جهل : هم غلبونا لا أنتم (١) .
وروي أنّ رجلا من المسلمين بينما هو يشتدّ في أثر رجل من المشركين إذ سمع صوت ضربه بالسوط فوقه ، فنظر إلى المشرك وقد خرّ مستلقيا وقد شقّ وجهه ، فحدّث الأنصاري رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : صدقت ، ذاك من مدد السّماء (٢) .
ثمّ أنّه روى بعض أصحابنا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله نزل في موضع لا تثبت فيه القدم لكثرة الرّمل ، فلمّا أمسى رسول الله صلىاللهعليهوآله وجنّه اللّيل القي على أصحابه النّعاس حتّى ناموا ، واحتلم في تلك اللّيلة بعضهم ، فأنزل الله عليهم السماء ، فذكّرهم الله سبحانه تلك المنّة بقوله : ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ ...﴾(٣) .
وعن بعض العامّة : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله سار بأصحابه حتى نزلوا في كثيب أعفر - أي في تلّ من الرّمل الأحمر - تسوخ فيه الأقدام - أي تدخل فيه وتغيب - وعلى غير ماء ، بالجانب الأقرب من المدينة من الوادي ، ونزل المشركون بجانبه الأبعد من المدينة الأقرب إلى مكّة والوادي بينهما ، ثمّ
__________________
(١) تفسير الرازي ١٥ : ١٣٠.
(٢) تفسير الرازي ١٥ : ١٣٠.
(٣) تفسير القمي ١ : ٢٦١.