كفيلا بالوفاء به.
ثمّ رغّب في الوفاء ورهّب عن الحنث بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ﴾ من الوفاء والحنث ، فيجازيكم على الأول بالثواب ، وعلى الثاني بالعقاب.
قيل : نزلت في جماعة أسلموا بمكة ، وعاهدوا الرسول ، فلمّا رأوا غلبة قريش وضعف المسلمين جزعوا واضطربوا ، وهمّوا بنقض العهد بتسويل الشيطان ، فثبّتهم الله بهذه الآية على عهدهم مع الرسولصلىاللهعليهوآله (١) .
والقميّ عن الصادق عليهالسلام : « لمّا نزلت ولاية علي بن أبي طالب عليهالسلام ، وكان من قول رسول الله صلىاللهعليهوآله : سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين ، فكان ممّا أكّد الله عليهم في ذلك اليوم ، وقول رسول الله صلىاللهعليهوآله لهما : قوما فسلّما عليه بإمرة المؤمنين. فقالا : أمن الله أو من رسوله ؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من الله ومن رسوله. فأنزل الله ﴿وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ﴾ يعني به قول رسول الله لهما ، وقولهما : أمن الله أو من رسوله ؟ » (٢) .
أقول : يمكن تكرّر نزول الآية.
﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً
بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ
الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢)﴾
ثمّ أكّد سبحانه وجوب الوفاء بالعهود وحرمة نقضها بقوله : ﴿وَلا تَكُونُوا﴾ أيّها المؤمنون في عهودكم وأيمانكم ونقضها بلا مجوّز شرعي وعقلائي ﴿كَالَّتِي﴾ غزلت الشعر والصوف وفتلت الحبل كلّ يوم ثمّ ﴿نَقَضَتْ غَزْلَها﴾ وفتلها ﴿مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ﴾ وإبرام وإحكام له حتى جعلته ﴿أَنْكاثاً﴾ وخيوطا ، أو اجزاء متفرقة كالصوف المنفوش ، ثمّ غزلت مرة ثانية ، ثمّ فعلت ما فعلت بالغزل الأول.
قيل : هي امرأة من قريش يقال لها رايطة أو ريطة (٣) أو خطيئة بنت سعد بن تميم ، تلقّب بالجعراء (٤) ، أو خضراء ، أو خرقاء (٥) ، وكانت حمقاء (٦) ، وكانت أعدّت مغزلا قدر ذراع في رأسه حديدة مثل إصبع ، وفلكة عظيمة على قدرها ، وكانت هي وجواريها تغزل من الصبح إلى نصف النهار ، ثمّ تأمرهنّ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٧٣.
(٢) الكافي ١ : ٢٣١ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ١٥٢ ، تفسير القمي ١ : ٣٨٩ « نحوه » .
(٣) تفسير الرازي ٢٠ : ١٠٨ ، تفسير القمي ١ : ٣٨٩.
(٤) تفسير الرازي ٢٠ : ١٠٨.
(٥) مجمع البيان ٦ : ٥٩٠ ، تفسير البيضاوي ١ : ٥٥٥.
(٦) تفسير الرازي ٢٠ : ١٠٨ ، تفسير الصافي ٣ : ١٥٣.