ثمّ أنه تعالى
بعد بيان مسكنها بيّن مأكولها بقوله : ﴿ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ﴾ التي عندك من الحلو والحامض ، فتأكل الأجزاء اللطيفة
الحلوة الواقعة على أوراق الأشجار والأزهار ، وتمصّ الثمرات الرطبة والأشياء
العطرة ، فيوحي إليها أنّك إذا أكلت الثّمار في المواضع البعيدة من بيوتك ﴿فَاسْلُكِي
سُبُلَ رَبِّكِ﴾ والطّرق التي ألهمك الرجوع فيها إلى بيوتك التي في
الجبال والشجر وغيرهما ، حال كون تلك السّبل ﴿ذُلُلاً﴾ وسهلة السلوك فيها بلا اشتباه ولا انحراف ، وفي ذكر ربك
وإضافة السّبل إليه إشعار بأنّه لو لا تربيته تعالى لما اهتديت إليها.
ثمّ بيّن الله
تعالى نتيجة الالهامات بقوله : ﴿يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها﴾ بالقئ ﴿شَرابٌ﴾ وعسل مائع ﴿مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ﴾ حسب الاختلاف بين النحل كما قيل ، فالشابّ منها يقيء
الأبيض ، وكهلها يقيء الأصفر ، وشيبها تقيء الأحمر ، وقد يكون الاختلاف بسبب اختلاف لون مأكولها ،
وخاصيّته أن ﴿فِيهِ شِفاءٌ﴾ عظيم ﴿لِلنَّاسِ﴾ وبرء من الأوجاع التي يعرف شفاؤها منه.
وقيل : هو إما
شفاء بنفسه كالأمراض البلغمية ، وإما مع غيره كما في سائر الأمراض ، إذ قلما معجون
إلّا والعسل جزء منه .
وقيل : إنّه
بنفسه أو مع الخلط بالأدوية الحارة شفاء للأمراض البلغمية ، ومع الخلط بالحوامض
شفاء للأمراض الصفراوية ، ومع الخلط بالأدهان شفاء للأمراض السوداوية ، وعن (
اعتقادات الصدوق ) اعتقادنا في العسل أنّه يشفي الأمراض البلغمية .
أقول : عليه
يكون تنوين الشّفاء للتنكير ، وفيه أنّ الظاهر من كونه تعالى في مقام مدحه أنّه
تعالى جعله بالخاصية شفاء لجميع الأمراض كالتربة الحسينية ، ولا ينافي ذلك عدم
ظهور هذا الأثر منه كثيرا ؛ لأنّه من باب المقتضي الذي يجتمع مع ألف مانع ، كما لا
يحصل الشفاء من التربة المباركة في بعض الموارد.
روي أنّ رجلا
جاء إلى النبي صلىاللهعليهوآله فقال : إنّ أخي قد اشتكى بطنه ؟ فقال : « اسقه عسلا »
فسقاه [ عسلا ] فما زاده إلّا استطلاقا ، فعاد إلى النبي صلىاللهعليهوآله ، فذكر له ذلك ، فقال : « اسقه عسلا » فسقاه ثانيا فما
زاده إلّا استطلاقا ، فرجع فقال : يا رسول الله ، [ سقيته ] فما نفع ؟ فقال : «
اذهب فاسقه عسلا ، فقد صدق الله وكذب بطن أخيك » فسقاه فشفاه الله ، الخبر.
__________________