في تفسير سورة الأنفال
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾
﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ
بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١)﴾
ثمّ لمّا ختم سورة الأعراف التي عمدة مطالبها إبطال الشّرك ، وتهديد أهله بالعذاب ، وبيان غاية عجز الأصنام ، وأمّر النبيّ صلىاللهعليهوآله بالأعلان بوثوقه بالله تعالى في دفع كيدهم ، والعفو عمّن ظلمه ، والإعراض عن الجاهلين ، ومداراة النّاس ، والاستعاذة بالله عند نزغ الشّيطان ، ومدح المتّقين بتذكّر الله عند ذلك ، اردفت بسورة الأنفال التي أهمّ مطالبها إثبات صحّة نبوّة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وإيجاب طاعته ، وملازمة التّقوى ، وبيان كيفيّة نزغ الشيطان ، وإيجاب رفع التّنازع بالصّلح ، وغير ذلك من الأمور المرتبطة بما في السّور السّابقة ، فابتدأ بذكر الأسماء المباركات على حسب دأبه تعالى في كتابه بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾
ثمّ افتتحها ببيان حكم الغنيمة التي وقع بين المسلمين التّنازع فيها في وقعة بدر بقوله : ﴿يَسْئَلُونَكَ﴾ يا رسول الله ﴿عَنِ﴾ حكم ﴿الْأَنْفالِ﴾ ويستفتونك فيها ﴿قُلِ﴾ في جوابهم : ﴿الْأَنْفالِ﴾ كلّها ﴿لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ ليس لغيرهما فيها حقّ.
روي أنّ المسلمين اختلفوا في غنائم بدر وفي تقسيمها ، فسألوا رسول الله صلىاللهعليهوآله : كيف تقسّم ، وإلى أين تصرف ، ومن الّذين يتولّون قسمتها ؛ أهم المهاجرون أم الأنصار ؟ (١) فنزلت (٢) .
وعن عبادة بن الصامت قال : فينا معشر أصحاب بدر نزلت ، حين اختلفنا في النّفل ، وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه الله من أيدينا وجعله لرسوله ، فقسّمه بين المسلمين على السّواء (٣) .
وروي أن الشبّان يوم بدر قتلوا وأسروا ، والأشياخ وقفوا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله في المصافّ ، فقال الشبّان : الغنائم لنا ؛ لأنّا قتلنا وهزمنا ، وقال الأشياخ : كنّا ردءا لكم ، ولو انهزمتم لانحزتم إلينا ، فلا تذهبوا
__________________
(١) زاد في تفسير روح البيان : أم هم جميعا.
(٢ و٣) . تفسير روح البيان ٣ : ٣١١.