زبرجدة خضراء في ظلّ عرشه عن يمينه ، وكلتا يديه يمين » (١) .
أقول : لا منافاة بين الأخبار ، لاحتمال اختلاف الأرض باختلاف الأصناف من المؤمنين على اختلاف مراتبهم والكافرين ، فبالنسبة إلى بعض المؤمنين كالفضة ، وبالنسبة إلى بعض من الزبرجدة ، وإلى بعض خبزة نقية ، وهكذا بالنسبة إلى الكافر نار ، وعلى أي تقدير ﴿وَالسَّماواتُ﴾ أيضا تبدّل غير السماوات بانفطارها ، وانتثار كواكبها ، وتكوير شمسها ، وخسوف قمرها ، وكونها أبوابا ، وتكون كالمهل تارة ، وكالدّهان اخرى.
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام بطريق عامي : « وسماوات من ذهب » (٢) .
﴿وَبَرَزُوا﴾ وظهروا من قبورهم حين التبدّل أو بعده ﴿لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ﴾ ليحاسبهم ويجازيهم ، فاذا كان الأمر إلى الغالب الذي لا يغالب والقهّار الذي لا يقهر فلا مغيث لأحد غيره ولا مستجار ، وكلّ مقهور تحت قدرته ، ومنقلب في قبضته ، ومسخّر لقضائه.
﴿وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ * سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى
وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ * هذا
بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ
أُولُوا الْأَلْبابِ (٥٢)﴾
ثمّ أنه تعالى بعد بيان قهّاريته بيّن مقهورية الكفار له وعجزهم وذلتهم لديه بقوله : ﴿وَتَرَى﴾ يا محمّد ، أو أيّها الرائي ﴿الْمُجْرِمِينَ﴾ والعصاة ﴿يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ﴾ ومشدّدين مع أقرانهم من الكفّار المشاركين معهم في العقائد والأعمال ، أو مع الشياطين المغوين لهم إلى الضلال ، أو مع عقائدهم وأعمالهم المجسّمة المصوّرة بأقبح الصّور المتشكّلة بأسوأ الأشكال ﴿فِي الْأَصْفادِ﴾ والقيود والأغلال.
وقيل : إنّ المراد من ﴿مُقَرَّنِينَ﴾ قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم في الأصفاد (٣) و﴿سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ﴾ قيل : هو شيء يتحلّب من شجر يسمّى الأبهل (٤) .
وقيل : يتّخذ من حمل شجر العرعر ، فيطبخ وتطلى به الإبل التي فيها الجرب ، فيحرق بحدّته وحرارته الجرب ، وقد يصل حرّه إلى داخل الجوف ويتسارع فيه اشتغال النّار ، ولونه أسود ، وريحه
__________________
(١) الكافي ٢ : ١٠٢ / ٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٩٧.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٤٣٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٩٦.
(٣) تفسير الرازي ١٩ : ١٤٨ ، وفيه : رقابهم بالأغلال.
(٤) تفسير الرازي ١٩ : ١٤٨ ، والأبهل : شجر كبير ، ورقه كالطّرفاء ، وثمره كالنّبق.