﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ
الْأَبْصارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ
هَواءٌ (٤٢) و (٤٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إثبات التوحيد بالبراهين ، وكونه ملة إبراهيم ، وكون الشرك عصيانه ، وخوف إبراهيم من عذاب الله يوم الحساب ، هدّد الله المشركين بأهوال ذلك اليوم بقوله : ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ﴾ يا محمد ، ولا تحتمل أن يكون ﴿غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ والمشركون من العصيان والطّغيان وعبادة الأوثان.
قيل : إن المراد دم يا محمّد على ما أنت عليه من عدم حسبان الغفلة في حقّه تعالى (١) .
ويحتمل أن يكون المقصود نهي المؤمنين ، والمعنى : لا تحسبوا - أيّها المؤمنون - أنّ تأخير العذاب عن الظالمين لغفلته تعالى عن أعمالهم ، بل ﴿إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ﴾ ويمهلهم ﴿لِيَوْمٍ﴾ عظيم ﴿تَشْخَصُ﴾ وترتفع ﴿فِيهِ الْأَبْصارُ﴾ وتبقى مفتوحة ، لا يقدرون على تحريكها من الدهشة ، وهم مع شخوص أعينهم المقتضي لوقوفهم في أماكنهم يكونون ﴿مُهْطِعِينَ﴾ ومسرعين لاجابة الداعي ، أو نحو البلاء والعذاب كإسراع الأسير الخائف ، أو مقبلين إلى الحساب ، أو المراد ناظرين في ذلّ وخشوع حال كونهم ﴿مُقْنِعِي﴾ ورافعي ﴿رُؤُسِهِمْ﴾ مع أنّ حقّ المشاهد للبلاء أطراق رأسه كي لا يراه.
ثمّ بيّن دوام شخوصهم بحيث ﴿لا يَرْتَدُّ﴾ ولا يرجع ﴿إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ﴾ ولا تحرّك أجفانهم ، بل تبقى مفتوحة أبدا دائما لدوام حيرتهم ودهشتهم ﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ﴾ وقلوبهم ﴿هَواءٌ﴾ وخالية من العقل والقوة والأفكار والآمال ، لعظم ما ينالهم من الوحشة والدهشة والحزن.
القميّ قال : تتصدّع قلوبهم من الخفقان (٢) . قيل : ذلك عند القيام من القبور. وقيل : عند قيام الحساب. وقيل : عند تميّز الأشقياء من السّعداء (٣) .
﴿وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ
قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَ وَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ
زَوالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ
وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٤) و (٤٥)﴾
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٤٣١.
(٢) تفسير القمي ١ : ٣٧٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٩٥.
(٣) تفسير الرازي ١٩ : ١٤٢.