منّا ، أفتأذن لهم في ذلك ؟ فقال إبراهيم عليهالسلام : نعم ، فأذنت هاجر لجرهم ، فنزلوا بالقرب منهم ، وضربوا خيامهم ، فأنست هاجر وإسماعيل بهم ، فلمّا زارهم إبراهيم في المرة الثالثة ، نظر إلى كثرة الناس [ حولهم ] ، فسرّ بذلك سرورا شديدا » (١) .
﴿رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ
وَلا فِي السَّماءِ (٣٨)﴾
ثمّ أظهر عليهالسلام ذلّته وعلمه تعالى بحاجته تقريبا لإجابة دعائه بقوله : ﴿رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي﴾ في صدورنا من الحاجة ﴿وَما نُعْلِنُ﴾ ونظهر بألسنتنا من مطلوبنا لاظهار العبودية والمسكنة والافتقار إلى رحمتك ، واستعجالا بنيل أياديك ، لا لأن تعلم حاجاتنا.
قيل : إنّ المراد ما نخفي في قلوبنا من الحزن بسب الفرقة بيني وبين ابني إسماعيل (٢) ، أو ما نخفي من الحزن على ما جرى (٣) بيني وبين هاجر حيث قالت : حين الوداع : إلى من تكلنا ؟ وما نعلن من البكاء ، أو من جوابها بأنّي أكلكم إلى الله (٤) .
ثمّ أنه عليهالسلام لمّا أضاف علمه تعالى بالأمرين الخاصين ، دفع توّهم الاختصاص بقوله : ﴿وَما يَخْفى عَلَى اللهِ﴾ الخالق لجميع الأشياء العالم بحقائقها ودقائقها ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ حقير أو كبير يكون ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ وتخومها ﴿وَلا فِي السَّماءِ﴾ لأنّ علمه عين ذاته ، والكلّ معلول لارادته. وقيل : إن الذيل كلام الله عزوجل تصديقا لابراهيم عليهالسلام (٥) لا من تتمّة كلام إبراهيم عليهالسلام.
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ
الدُّعاءِ (٣٩)﴾
ثمّ أنّه عليهالسلام أعلن بالشكر على نعمة الله عليه طلبا لا بقائها وازديادها بقوله : ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي﴾ بكرمه وجوده وأنا ﴿عَلَى﴾ حال ﴿الْكِبَرِ﴾ والهرم الذي يقتضي العقم والحرمان عن الولد ﴿إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ﴾ بدعائي.
ثمّ لمّا كان الثناء على الله من كمال الدعاء ، أثنى عليه بقوله : ﴿إِنَّ رَبِّي﴾ والله ﴿لَسَمِيعُ الدُّعاءِ﴾ ومجيبه ، وفي نسبة الهبة بحال الكبر إظهارا لكونها من الآيات وخوارق العادات.
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٦٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٩١.
(٢) تفسير الرازي ١٩ : ١٣٧.
(٣) في تفسير الرازي : من الحزن المتمكّن في القلب ، وما نعلن يريد ما جرى.
(٤) تفسير الرازي ١٩ : ١٣٧.
(٥) تفسير الرازي ١٩ : ١٣٨.