وتغمه ، فشكا إبراهيم عليهالسلام ذلك إلى الله عزوجل ، فأوحى الله إليه : إنّما مثل المرأة مثل الضّلع العوجاء إن تركتها استمتعت بها ، وإن أقمتها كسرتها. ثمّ أمره أن يبعد إسماعيل وأمّه عنها فقال : يا رب إلى أي مكان ؟ قال : إلى حرمي وأمني وأول بقعة خلقتها من الأرض ، وهي مكة.
فأنزل الله عليه جبرئيل بالبراق ، فحمل هاجر وإسماعيل وإبراهيم ، وكان إبراهيم عليهالسلام لا يمرّ بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع إلّا وقال : يا جبرئيل ، إلى هاهنا ؟ فيقول جبرئيل : لا امض ، حتى وافى مكة ، فوضعه في موضع البيت.
وقد كان إبراهيم عاهد سارة أن لا ينزل حتى يرجع إليها ، فلمّا نزلوا في ذلك المكان كان فيه شجر ، فألقت هاجر على ذلك الشجر كساء كان معها ، فاستظلّوا تحته ، فلمّا سرّحهم إبراهيم عليهالسلام ووضعهم وأراد الانصراف عنهم الى سارة ، قالت هاجر : لم تدعنا في موضع ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع ؟ فقال إبراهيم عليهالسلام : الله الذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان حاضر عليكم.
ثمّ انصرف عنهم ، فلمّا بلغ كداء - وهو جبل بذي طوى - التفت إليهم إبراهيم ، فقال : ﴿رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ الآية. ثم مضى وبقيت هاجر ، فلمّا أرتفع النهار عطش إسماعيل وطلب الماء ، فقامت هاجر في الوادي في موضع المسعى ، فنادت : هل في الوادي من أنيس ؟ فغاب إسماعيل عنها ، فصعدت على الصّفا ولمع لها السّراب في الوادي ، وظنّت أنّه ماء ، فنزلت في بطن الوادي وسعت ، فلمّا بلغت المسعى غاب عنها إسماعيل ، ثمّ لمع [ لها ] السراب في ناحية الصفا ، فهبطت إلى الوادي تطلب الماء ، فلمّا غاب عنها إسماعيل عادت حتى بلغت الصفا ، فنظرت حتى فعلت ذلك سبع مرات ، فلمّا كانت في الشوط السابع وهي على المروة ونظرت إلى إسماعيل ، وقد ظهر الماء من تحت رجله ، قعدت حتى جمعت حوله رملا ، فانّه كان سائلا فزمّته بما جعلته حوله ، فلذلك سمّي زمزم.
وكانت جرهم (١) نازلة بذي المجاز وعرفات ، فلمّا ظهر الماء [ بمكة ] عكفت الطير والوحش على الماء ، فنظرت جرهم إلى تعكّف الطير في ذلك المكان اتّبعوها حتّى نظروا إلى امرأة وصبيّ نازلين في ذلك الموضع ، قد استظلا بشجرة ، وقد ظهر الماء لهما ، فقالوا لهاجر : من أنت وما شأنك وشأن هذا الصبيّ ؟ قالت : أنا أمّ ولد إبراهيم خليل الرحمن ، وهذا ابنه ، أمره الله أن ينزلنا هاهنا ، فقالوا لها : أتأذنين أن نكون بالقرب منكما ؟ [ فقالت : حتى يأتي إبراهيم ] فلما زارهم إبراهيم عليهالسلام يوم الثالث قالت هاجر : يا خليل الرحمن ، إنّ هاهنا قوما من جرهم يسألونك أن تأذن لهم حتى يكونوا بالقرب
__________________
(١) اسم قبيلة.