أهل الطمع على تعليماتهم ﴿إِنْ﴾ القرآن وما ﴿هُوَ﴾ أو ما تبليغك ﴿إِلَّا ذِكْرٌ﴾ وعظة ﴿لِلْعالَمِينَ﴾ عامة ، وبعثا لهم على سلوك سبيل النجاة ، وإنّما هو لي وعليّ أجره لا على الناس ، فلا مجال لتوهّم شوب غرضك في تبليغك بالدنيا.
ثمّ بالغ سبحانه في تسلية نبيه صلىاللهعليهوآله في إعراض الكفار عنه وعدم اعتنائهم بمعجزاته بقوله :
﴿وَكَأَيِّنْ﴾ وكثير ﴿مِنْ آيَةٍ﴾ وكم من دليل واضح على وجود الصانع الحكيم وتوحيده ﴿فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ وهؤلاء الكافرون المعاندون ﴿يَمُرُّونَ عَلَيْها﴾ ويشاهدونها ﴿وَهُمْ﴾ لا يلتفتون إليها ، بل هم ﴿عَنْها مُعْرِضُونَ﴾ وبها لا يعتنون ، وفيها لا يتفكّرون ، ولا يعتبرون بها.
قيل : لمّا سمع المشركون تلك الآية قالوا : إنا نؤمن بالله الذي خلق الأشياء ، فردّهم الله بقوله : ﴿وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ﴾(١) ولا يعترفون بألوهيّته ﴿إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ به في العبوديّة والطاعة.
عن ابن عباس ، أنّه قال : نزلت في تنبيه المشركين (٢) ، لأنهم كانوا يقولون : لبيك لا شريك لك ، إلّا شريك هو لك ، تملكه وما ملك.
وعنه أيضا : هم الذين يشبّهون الله بخلقه.
وعنه أيضا : أنّ أهل مكة قالوا : الله ربنا وحده لا شريك له ، والملائكة بناته ، فلم يوحّدوه ، بل أشركوا وقال عبدة الأصنام : ربّنا الله وحده ، والأصنام شفعاؤنا عنده ، وقالت اليهود : ربنا الله وحده وعزير ابن الله ، وقالت النصارى : ربنا الله وحده لا شريك له والمسيح ابن الله ، وقال عبدة الشمس والقمر : ربنا الله وحده ، وهؤلاء أربابنا ، وقال المهاجرون والأنصار : ربّنا الله وحده لا شريك معه (٣) .
عن الباقر عليهالسلام : « شرك طاعة وليس شرك [ عبادة ] » (٤) .
وزاد القمي رحمهالله : والمعاصي التي يرتكبون ، فهي شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان فأشركوا بالله في الطاعة لغيره ، وليس باشراك عبادة (٥) .
وعن الصادق عليهالسلام في هذه الآية : « يطيع الشيطان من حيث لا يعلم فيشرك » (٦) .
وعنه عليهالسلام : « هم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم فيضعونها غير مواضعها » (٧) .
وعنه عليهالسلام أيضا : « هو الرجل يقول : لو لا فلان لهلكت ، ولو لا فلان لأصبت كذا وكذا ، ولو لا فلان
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٣٢٩.
(٢) في تفسير الرازي : تلبية مشركي العرب.
(٣) تفسير الرازي ١٨ : ٢٢٤.
(٤) تفسير العياشي ٢ : ٣٧٣ / ٢١٦٨ ، تفسير القمي ١ : ٣٥٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٥٢.
(٥) تفسير القمي ١ : ٣٥٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٥٢.
(٦) الكافي ٢ : ٢٩٢ / ٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٥٣.
(٧) التوحيد : ٣٢٤ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٥٣.