موتاهم إلى الشام ، وهو يوسف بن يعقوب ، وما ذكر الله يوسف في القرآن غيره » (١) .
﴿ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ
يَمْكُرُونَ * وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٢) و (١٠٣)﴾
ثمّ لمّا كان الأخبار المغيبات من أعظم المعجزات ، استدلّ سبحانه بأخبار النبيّ الامي الذي لم يجالس عالما ولم يقرأ كتابا على صدق نبوته بقوله : ﴿ذلِكَ﴾ المذكور من قصة يوسف ﴿مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ﴾ والأخبار التي لا يطّلع مثلك يا محمد عليها بالأسباب العادية ، بل نحن ﴿نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ بتوسّط جبرئيل ، لأنّها منحصرة في السماع من المطّلعين ، ومطالعة الكتب ، وهما منتفيان في حقّك بتسليم المخالف والموالف ، وفي الحضور عند وقوع القضية ، وهذا أيضا منتف بالضرورة لوضوح أنّك ما كنت في ذلك الزمان في العالم ﴿وَما كُنْتَ﴾ عند إخوة يوسف ، وحاضرا ﴿لَدَيْهِمْ﴾ لا سيما ﴿إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ﴾ وحين عزموا على ما رأوا من إلقاء يوسف في الجبّ ، أو حين اتّفقوا عليه مع كونهم في غاية التستّر فيه ﴿وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ به بترغيبه في الخروج معهم إلى التفرّج ، وبأبيه بترضيته خاطره في إرساله معهم ، فمع انتفاء الحضور عندهم ، وعدم كونك قارئا للكتب ، ومتعلما من العلماء ، ثبت كونك عالما بها بالايحاء إليك من الله ، ونبيا صادقا في دعوى نبوتك ، ومع ذلك ﴿وَما أَكْثَرُ النَّاسِ﴾ من اليهود والنصارى والمشركين ﴿وَلَوْ حَرَصْتَ﴾ على إيمانهم ، وبالغت في دعوتهم وإظهار المعجزات لهم ﴿بِمُؤْمِنِينَ﴾ بك لعنادهم وشدّة لجاجهم وإصرارهم على إنكار نبوتك.
روي أنّ كفّار قريش وجماعة من اليهود سألوا رسول الله صلىاللهعليهوآله عن قصة يوسف على سبيل التعنّت ، فلمّا أخبرهم على طبق التوراة لم يسلموا ، فحزن النبي صلىاللهعليهوآله ، فنزلت الآية تسلية له (٢) .
﴿وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ * وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ * وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ
بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٤) و (١٠٦)﴾
ثمّ لمّا كان من دواعي التكذيب توهّم طمع المال في المبلّغ ، دفع الله هذا التوهم بقوله : ﴿وَما تَسْئَلُهُمْ﴾ يا محمد ، عند تبليغ المعارف والأحكام ﴿عَلَيْهِ﴾ شيئا ﴿مِنْ أَجْرٍ﴾ ومال يعطونك ما يسأله
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٢٣ / ٥٩٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٥١.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٣٢٨.