ثمّ نبّه
سبحانه على أنّ أمره بدعوة النّاس إلى التّوحيد ونهيهم عن المنكر ، ليس لعجز نفسه
عن حملهم على الإيمان ؛ بقوله : ﴿وَ﴾ ﴿لَوْ
شاءَ رَبُّكَ﴾ بالمشيئة التّكوينيّة إيمانهم ﴿لَجَعَلَ
النَّاسَ﴾ في جميع الأزمنة ﴿أُمَّةً واحِدَةً﴾ وجماعة متّفقة على دين الحقّ وألزمهم وقهرهم على ملّة
التّوحيد ، ولكن لم يشأ ذلك لحكمة داعية إلى إيكالهم إلى اختيارهم ﴿وَ﴾ لذا ﴿لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ في العقائد والأخلاق في القرون والأعصار ، فتاهوا في
شعب الباطل ومسالك الضّلال ﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ ووفّقه للاهتداء إلى الحقّ ، وأرشده إلى الصّراط
المستقيم ﴿وَلِذلِكَ﴾ المذكور من الرّحمة ﴿خَلَقَهُمْ﴾ وللاهتداء إلى الحقّ بفضله أوجدهم.
عن الصادق عليهالسلام ، في هذه الآية : « النّاس مختلفون في إصابة القول ،
وكلّهم هالك ، ﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ وهم شيعتنا ، ولرحمته خلقهم ، [ وهو قوله : ﴿وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ﴾] ، يقول : لطاعة الامام عليهالسلام » .
وعنه عليهالسلام : « خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته ، فيرحمهم » .
وعن الباقر عليهالسلام قال : ﴿وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ في الدّين ﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ يعني : آل محمّد وأتباعهم. يقول الله : ﴿وَلِذلِكَ
خَلَقَهُمْ﴾ يعني : أهل الرحمة لا يختلفون [ في الدين ] » .
وقيل : إنّ لام
( لذلك ) لام العاقبة ، واسم الإشارة إشارة إلى الاختلاف بمعنى المخالفة وضمير ﴿خَلَقَهُمْ﴾ راجع إلى عموم الناس ، والمعنى : وكان عاقبة خلقهم
المخالفة للحقّ.
وقيل : إنّ اسم
الإشارة راجع إلى المذكور من الرّحمة والاختلاف ، والمراد : أنّه خلق أهل الرّحمة
للرّحمة ، وأهل العذاب للاختلاف .
عن ابن عبّاس
قال : خلق [ الله ] أهل الرّحمة لئلّا يختلفوا ، وأهل العذاب لأن يختلفوا ، وخلق
الجنّة وخلق لها أهلا ، وخلق النّار وخلق لها أهلا .
﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ﴾ وحقّت ، أو وصل وعيده إلى عباده ، أو مضى حكمه وقضاؤه
من قوله: ﴿لَأَمْلَأَنَ﴾ في القيامة ﴿جَهَنَّمَ﴾ البتّة ﴿مَنْ﴾ الشّياطين وعصاة ﴿الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾
عن القمّي رحمهالله : « وهم الذّين سبق الشّقاء لهم ، فحقّ عليهم القول
أنّهم للنار خلقوا ، وهم الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك أنّهم لا يؤمنون » .
__________________