ثمّ بالغ سبحانه في إظهار قدرته بقوله : ﴿وَكانَ﴾ قبل خلقها ﴿عَرْشُهُ﴾ وسرير سلطنته ؛ مع كونه أعظم الأشياء ، مستقرّا ﴿عَلَى الْماءِ﴾ الذي لا يستقرّ عليه الثّقيل ، وهو تعالى بقدرته التي لا حدّ لها أمسكه عليه بغير عمد.
روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « كان الله ولم يكن معه شيء ، وكان (١) عرشه على الماء » (٢) .
أقول : في اقتران القضيّتين دلالة على أنّ المراد بالعرش والماء غير معناهما الظّاهر ، وإلّا لنافت القضية الاولى.
وعن كعب الأحبار : خلق الله تعالى ياقوتة خضراء ، فنظر إليها بالهيبة ، فصارت ماء يرتعد من مخافة الله ، ثمّ خلق الرّيح فجعل الماء على متنها ، ثمّ وضع العرش على الماء (٣) .
القمّي رحمهالله : كان [ ذلك ] في مبدأ الخلق (٤) . [ وكان عرشه على الماء و] الماء على الهواء ، والهواء لا يحدّ ، ولم يكن يومئذ خلق غيرهما ، والماء عذب فرات (٥) .
أقول : يمكن أن يكون المراد من العرش : الوجود المنبسط الذي يعبّر عنه بنفس الرّحمن ، ومن الماء : علمه تعالى بعلاقة كونهما سبب حياة كلّ شيء.
وعن الباقر عليهالسلام : « أنّ الله عزوجل ابتدع الأشياء كلّها بعلمه على غير مثال كان قبله ، فابتدع السّماوات والأرضين ؛ ولم يكن قبلهنّ سماوات ولا أرضون ، أما تسمع لقوله تعالى : ﴿وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ؟﴾(٦) .
وعن الصادق عليهالسلام ، أنّه سئل عن قول الله عزوجل : ﴿وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ﴾ فقال : « ما يقولون [ في ذلك ] ؟ » قيل : يقولون إنّ العرش كان على الماء ، والربّ فوقه. فقال : « كذبوا ، من زعم هذا فقد صيّر الله محمولا ووصفه بصفة المخلوقين ، ولزمه أنّ الشيء الذي يحمله أقوى منه » . ثمّ قال : « إنّ الله حمّل دينه وعلمه الماء ، قبل أن تكون سماء أو أرض ، أو جنّ أو إنس ، أو شمس أو قمر» (٧) .
أقول : يحتمل أن يكون علمه مبتدأ ، والماء خبره ، والمعنى أنّ العرش دينه ، والماء علمه. ويمكن أن يكون المراد من الماء : الأئمّة المعصومين وأشباحهم ، والمعنى : حمّل دينه وعلمه النبيّ صلىاللهعليهوآله وأوصياءه. والحاصل أنّ هذه الرّوايات من المتشابهات التي يجب ردّ علمها إليهم عليهمالسلام.
ثمّ بيّن سبحانه حكمة الخلق بقوله : ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾ ويعامل معكم معاملة الممتحن لأحوالكم بعد
__________________
(١) في تفسير الرازي ثم كان.
(٢) تفسير الرازي ١٧ : ١٨٨.
(٣) تفسير الرازي ١٧ : ١٨٧.
(٤) تفسير القمي ١ : ٣٢١ ، تفسير الصافي ٢ : ٤٣٢.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٦٩ ، تفسير الصافي ٢ : ٤٣٢.
(٦) الكافي ١ : ٢٠٠ / ٢ ، تفسير الصافي ٢ : ٤٣٢.
(٧) الكافي ١ : ١٠٣ / ٧ ، التوحيد : ٣١٩ / ١ ، تفسير الصافي ٢ : ٤٣٢.