في تفسير سورة هود
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة يونس ؛ وكانت سورة هود أنسب السّور بها ، لاشتراكهما في التّصدير بالحروف المقطّعة ، وبيان كون الآيات محكمة ، وفي الدّعوة إلى التّوحيد ، ودفع شبهات المشركين فيه وفي النبوّة والمعاد ، والتحدّي بسور القرآن وتهديدهم بالعذاب ، وفي بيان هلاك الامم الماضية به ، وفي محاجّة الأنبياء وكمال توكّلهم وصبرهم ، إلى غير ذلك من المطالب العالية ، أردفها بسورة هود فافتتحها بذكر ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ ثمّ بذكر الحروف المقطّعة بقوله : ﴿الر﴾ وقد مرّ تفسيرها (١) .
ثمّ شرع في إثبات النبوّة بإثبات عظمة القرآن بقوله : ﴿كِتابٌ﴾ والتّقدير : هذا القرآن العظيم كتاب رفيع الشّأن ، الذي ﴿أُحْكِمَتْ﴾ ونظّمت ﴿آياتُهُ﴾ نظما رصيفا محكما ، بمعنى أنّه لا يعتريه النّقص والخلل ، أو لا يطرأ عليه النّسخ (٢) بكتاب بعده ، أو بمعنى كثير الحكمة ، أو مؤيّده بالحجج القاطعة الدالّة على صدقه ﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ بفصول من المعارف والأحكام ، والقصص والمواعظ ، ومهمّات المعاش والمعاد.
وقيل : فصّلت يعني فرّقت في التّنزيل منجّمة بحسب المصالح (٣) ، أو فرقت بين الحقّ والباطل (٤).
وقيل يعني : زيّنت بإعجاز البيان ، وكثرة الفوائد ؛ كما تزين القلائد بالفرائد (٥) .
ونزّلت ﴿مِنْ لَدُنْ﴾ إله ﴿حَكِيمٍ﴾ لا نهاية لحكمته ﴿خَبِيرٍ﴾ بخفيّات الامور. وأمّا وصف ذاته المقدّسة بالوصفين ، تنبيها على كون كتابه حاويا للحكم التي لا تحصى ، والعلوم التي لا تنتهي.
__________________
(١) مرّ تفسيرها في الطرفة (١٨) من مقدمة التفسير.
(٢) في النسخة : لا يطرأه النسخ.
(٣) تفسير أبي السعود ٤ : ١٨٢.
(٤) تفسير الرازي ١٧ : ١٧٩.
(٥) تفسير روح البيان ٤ : ٩٠.